-A +A
وليد عرب هاشم
لا عجب أن تنشر مواقع «داعشية» أو إيرانية أو من يواليهما كل ما يسيء لهذا الوطن ومجتمعه واقتصاده، فهم يسعون للتخريب بأي وسيلة، وليس هناك أفضل من تخريب الاقتصاد فهو يجر وراءه فسادا كبيرا، وبالتالي أي عدو لهذا البلد سوف يسعى لذلك بدون شك.
ولا عجب أيضا أن يطل علينا تحليل من الأخبار الروسية عن وضع اقتصادنا و«نهايته القريبة» فيبدو أن روسيا لحقت بالركب السابق ذكره ولكن يبدو أيضا أن المحللين الروس قد «سها» عليهم أن اقتصادهم المفلس في حالة انكماش وأن عملتهم الروبل تترنح ولذا ربما كان من الأفضل أن يتركوا «القلق» على الاقتصاد السعودي وهو والحمد لله ينمو وعملته ثابتة ولديه مئات المليارات من احتياطي الدولارات ليركزوا على أوضاعهم، ونفس النصيحة ممكن أن تقدمها للإخوة الإيرانيين الذين يعانون من انكماش مزمن لاقتصادهم وانهيار مزمن لعملتهم وانتشار مزمن للبطالة والفقر لديهم فليتهم يهتمون بمشاكلهم وعلى رأسها المشاكل الاقتصادية قبل أن يقلقهم مستقبل اقتصادنا.

ولكن وبالرغم من سخافة صدور مثل هذه «التحليلات» من دول تحذر من إفلاسنا خلال عدة سنوات بينما هي من اليوم مفلسة.. إلا أننا لا نستغرب ذلك من هذه الدول وأبواقها، فموقفهم منا معروف وكذلك للأسف مشاعرهم.
وإنما العجب أن نجد تحليلات شبيهة من مؤسسات محترمة كصندوق النقد الدولي ومؤسسات عالمية كـ (بلومبرج) BLOOMBERG أو (CNN) أو السي إن إن التي بصفة عامة تتنبأ أن ينتهي الاحتياطي النقدي لدينا خلال سنوات قليلة (ربما خمس سنوات) إن استمررنا بنفس وتيرة الإنفاق واستمرار أسعار النفط كما هي عليه، ولكن نلاحظ أن أيا من هذه المؤسسات العالمية لم تستخدم كلمة (إفلاس) وهذا ذكاء منهم لأنهم يعلمون أن هذه كلمة مضللة إن لم تكن كاذبة، ولذلك تم تجنب استخدامها صراحة وإن كان مدلول التحليلات يعنيها ضمنا ويضعنا أمام صورة قاتمة لأننا نصرف من احتياطياتنا ونستنفدها وهنا يبدأ العجب، فأولا الاحتياطيات النقدية اسمها «احتياطيات» لأنها «احتياطيات» تستخدم عندما نحتاجها، فهي أرصدة فاضت عن حاجاتنا عندما كانت أسعار النفط مرتفعة، وبالتالي تكون هذا الفائض «احتياطي» ولم نحتجه، ولأن أسعار النفط ظلت ترتفع وكان معها إنتاج قياسي وتصدير عال استمرت الفوائض وأضافت للاحتياطيات بالرغم من كل الصرف القياسي والآن عندما انخفضت أسعار النفط ولم تعد إيراداتنا تفي بمصروفاتنا يأتي دور الاحتياطي والسحب منه.
وهذا شيء طبيعي إن لم يكن بديهيا، فلماذا إذا هناك «احتياطي» ولماذا أساسا نسميه «احتياطي» إن لم يكن لوقت الحاجة والسحب منه عندها؟!.
وثانيا المقولة بأن الاحتياطي ينضب لو استمر السحب منه هي مقولة أيضا طبيعية وبديهية، فلو أخذت من البحر بدون تعويض ما أخذته سوف ينشف عاجلا أم آجلا ولكن هل المقصود بهذه المقولة إن المملكة سوف تستمر تسحب من احتياطياتها إلى الأبد أو إلى أن تنفد، وبمعنى أن أسعار النفط ستظل منخفضة إلى الأبد، أليس هناك حقائق تاريخية واضحة بأن أسعار النفط تنخفض لعدة سنوات ومن ثم تعود للارتفاع لعدة سنوات بل ألا يكاد يجمع خبراء اقتصاد النفط أن الانخفاض القوي في سعر النفط هو الذي يضع الأسس لارتفاع الأسعار خلال السنوات القادمة وذلك لأن هذا السعر المتدني سوف يؤدي إلى خروج المنافسين كمنتجي النفط الصخري في أمريكا وغيرهم، كما أنه يؤدي إلى زيادة الطلب فالنفط هو الوقود الأساسي للاقتصاد العالمي، ولا يبدو أن هناك بديلا قريبا في المستقبل المنظور ولذلك بإذن الله يرتفع السعر كما انخفض، وكما حدث من قبل وبإذن الله سوف يحدث مستقبلا فهذه سلسلة ثابتة تاريخيا وللإيجاز أود أن أنهي بذكر أن هذه التحليلات من مؤسسة النقد وبلومبرج وسي إن إن تخشى على الاقتصاد السعودي من نفاد احتياطيه النقدي بينما هي جميعها صادرة من داخل الولايات المتحدة الأمريكية التي هي مدينة بأكثر من سبعين تريليون ريال أو بأكثر من كامل ناتجها القومي، بمعنى أنه لو ذهب كل دولار يجنيه كل مواطن أو مؤسسة أو شركة أمريكية لسداد الدين العام فلن يكفيهم ومع ذلك فهذه الدولة لديها أقوى وأغنى اقتصاد في العالم وهذا يدل على أن الدين ليس هو أهم شيء وإنما القدرة على سداد الدين هي الأهم والمملكة العربية السعودية لديها والحمد لله أقوى وأغنى اقتصاد في المنطقة وبدون منازع، وبالتالي حتى ولو افترضنا أنها صرفت كامل مليارات احتياطياتها النقدية خلال الخمس السنوات القادمة وهذا بإذن الله شيء مستبعد، ولو افترضنا أن أسعار النفط ستظل منخفضة لسنوات عديدة، وهذا أيضا شيء مستبعد، ولو افترضنا أن المملكة لم تطور أي إنتاج آخر أو تجد ثروات جديدة خلال السنوات القادمة وبالرغم من ما قامت به من استثمارات مهولة خلال السنوات الماضية، ولو افترضنا هذا كله فمع ذلك تظل المملكة والحمد لله عائمة فوق ثروة من النفط تقدر على أقل تقدير بربع تريليون برميل، بمعنى أنه حتى ولو ظل سعر برميل النفط عند أربعين دولارا فقط، فهذا يعني أن لدينا كنوزا تقدر والحمد لله بعشرة تريليونات دولار أو نحو أربعين تريليون ريال وهو رقم لا يمكننا استيعابه إلا أنه قد يكفي لوضع حصوة ملح في عين كل من يردد التشاؤم حول مستقبل الاقتصاد السعودي وربما يستحي، أما من لا يستحي فليصنع ما يشاء.