-A +A
طارق على فدعق
مدلولات ومعاني هذه الكلمة كثيرة ولكنها غالبا ما تكون مقرونة بالروائح الكريهة والعفونة. وتعتمد حياتنا بإرادة الله ولطفه على العدد القليل من الغازات، وأهمها الأوكسجين بنسبة حوالى 21%، والنيتروجين بنسبة 78%... وسبحان الله أن النيتروجين لا يفعل شيئا بداخلنا فيدخل في الشهيق، ويخرج في الزفير بدون أن يتغير. وفي كل يوم نتنفس بمعدل حوالى عشرين ألف مرة... وخلال قراءتك لهذا المقال ستتنفس بمشيئة الله حوالى ستين مرة، وستستنشق ما يعادل محتوى ستين علبة «فيمتو» تقريبا... يعني حوالى عشرين لترا من الغازات المفيدة بمشيئة الله، وستستمتع بها استمتاعا خفيا لأنها من أهم النعم التي لا نشعر بها. ولكن بعض الغازات الطبيعية «خبيثة» جدا لدرجة أنها تدخل إلى أجسامنا بطرق تحدث الأضرار المختلفة. بعضها لا تعلن عن أضرارها مثل ثاني أكسيد الكربون الذي لو زاد عن حدوده فسيسبب «خبيصة» في كيمياء الدم... والبعض الآخر ينذر بخبثه من خلال رائحته النتنة مثل بعض الغازات النابعة من الكبريت.
وعلى مر العصور والصراعات المسلحة حاول البشر استغلال الغازات، والروائح الكريهة دون جدوى إلى أن بدأت الحرب العالمية الأولى في أغسطس 1914، فكان علم الكيمياء يشهد تطورات مذهلة واستخدم بعضها في إنتاج وإيصال الغازات السامة إلى أرض «العدو». وكانت من الأمثلة القوية على إساءة استخدام التقنية للقتل المقنن. استخدمت ألمانيا غاز خلطة «البرومين السام» وكان يصدر رائحة تشبه رائحة «التيوس» المفلوتة. ووضعوا هذه المادة الحارقة السامة في قذائف اطلق عليها اسم الصليب الأبيض «فايز كرويس». وبعدها تم تطوير ما هو أشد فتكا، وهو خلطة مادة الكلور مع العلم أن ذرات هذا العنصر أصغر حجما وأشد تفاعلا من غاز «التيوس»، واشتهرت قذائفها بالصليب الأخضر «جرون كرويس» نظرا لأن الغاز الصادر من القذيفة عند وصولها للهدف كان لونه أخضر. وجاءت بعدها قذائف «الصليب الأصفر» واطلقوا عليه اسم «جلب كرويس» وكانت الأخطر على الإطلاق، لأنها كانت تحتوى على غاز الخردل (Mustard Gas) الذي كان من أشد الغازات الحارقة المميتة. وكان يحتوى على خلطة «خبيثة» من عناصر الكلور، والكبريت، والكربون، والهيدروجين في «خلطة» خبيثة جدا بهدف الحرق الشديد لضحاياه... وأما رائحته فكانت تشبه رائحة الثوم المركز. يعني عندنا تيوس البرومين، وكلوروكس الكلور، وثوم غاز الخردل، وكلها أصعب من بعض.

ولو نظرنا إلى حجم المشكلة من الناحية الكمية فسنجد ما يذهلنا: يقدر عدد القذائف التي أطلقت من الأطراف المتنازعة خلال الحرب العالمية بحوالى ألف وأربعمائة مليون قذيفة، منها 66 مليون قذيفة تحتوى على رؤوس كيماوية... ومنها 20 مليون قذيفة لم تنفجر... أين ذهبت كل هذه القذائف؟ بعضها تم دفنه في البحار، وبالذات في المحيط الأطلسي، وبعضها لا يزال مدفونا في مناطق مختلفة في أوروبا ويكتشفها البشر بالصدفة بين كل حين وآخر... آخرها كان قبل حوالى سنة في بلجيكا.. وسبحان الله يذكرنا هذا بغباء الحروب مهما بدت وجيهة في حينها.
أمنيــــة
الحروب الكيماوية محرمة إنسانيا، ودوليا... ولكن للأسف أن هناك بعض من يتقنون أصول العفونة المميتة فيعشقون استخدام الكلور، والتيوس الحارقة، وغاز الثوم المميت ضد مواطنيهم، وبالذات في الشقيقة سوريا. أتمنى أن نرى نهاية هذا الظلم ضد المدنيين الأبرياء، وأن ينصرهم الله عز وجل،
وهو من وراء القصد.