-A +A
زهير أحمد السباعي
لي تجارب مع مشاركة أفراد المجتمع في بعض أوجه الخدمات الصحية، أستعرض بعضها للتدليل على استعداد أفراد المجتمع لمثل هذه المشاركة لو أنهم أعطوا الفرصة. سوف يتطوعون لذلك بسعادة وأريحية لما فيه من العطاء وتحقيق الذات.
درجت على أن أصطحب طلابي في كلية الطب الى بعض القرى للتدريب الميداني من أجل التعرف على الأوضاع الصحية في المجتمع. ذهبنا الى قرى الأسياح بالقصيم، وتمنية بعسير، والجموم في وادي فاطمة، والعلا. في كل مرة كنا نقضي نحوا من 10 أيام في التدريب الحقلي. كان أهالي القرى يقدمون لنا السكن والمواصلات بالرغم من وجود ميزانية خصصتها الجامعة لنا. وكنا نشرك المدرسات في عرض أفلام التثقيف الصحي على النساء، ونشرك مدرسي المدرسة في عمل البيانات الإحصائية للسكان، ونشترك جميعا أساتذة وطلاب الطب ومعلمي وتلاميذ المدارس في تنظيف القرية.

في زيارة لي لبعض قرى الباحة قال لي طبيب المستوصف إنه لا يقوم بأي عمل وقائي لأن وقته كله يذهب لعلاج المرضى. سألته عن إمكانية أن يفوض عملية التشخيص المبدئي وعلاج الحالات البسيطة للمساعد الصحي أو الممرضة كما يحدث في كثير من بلدان العالم، (معروف علميا أن 80% من المرضى المترددين على المراكز الصحية لا يحتاجون إلى حبة دواء). أجابني -بما توقعت- أن الوزارة لا توافق كما أن المجتمع نفسه لا يقبل. سعيت الى لقاء وجهاء القرية لأستطلع رأيهم في بديلين: أولهما أن يقوم الطبيب بفحص وعلاج جميع المرضى، وبالتالي لن يكون لديه الوقت لقيادة فريقه الصحي من أجل تقديم برامج وقائية للمجتمع مثل إصحاح البيئة والتغذية والتثقيف الصحي... إلخ. أما البديل الثاني فهو أن يفوض علاج الحالات البسيطة للمساعد الصحي بحيث يصبح لديه الوقت للبرامج الوقائية والارتفاع بمستوى الصحة. بداية رفضوا البديل الثاني باعتبار.. ماذا لو أخطأ المساعد الصحي؟ بعد حوار أوضحت فيه أن هذا النموذج معمول به في كثير من دول العالم لكي يستطيع الطبيب أن يؤدي دوره في الرعاية الصحية الشاملة العلاجية والوقائية تقبلوا فكرة أن يوزع الطبيب وقته بين الوقاية والعلاج.
في دورة تدريبية أقمتها لبعض الأطباء في قرى بنجلاديش، خصصت أحد أيام التدريب لتنظيف القرية. قمنا جميعا وفي أيدينا (المكانس والزنابيل) بتنظيف القرية، وسرعان ما انضم الينا السكان. ولم نترك القرية الا وقد أصبحت (تلمع) من النظافة. المغزى هو أن الصحة ليست مجرد صرف حبة الدواء أو إعطاء (الشرنقة)، وإنما هي أبعد مدى من ذلك بكثير. هي توفير البيئة الصالحة في المجتمع يدا بيد مع أفراده. كما أن أفراد المجتمع لديهم الاستعداد للمشاركة في الخدمات الصحية لو أعطوا الفرصة لذلك.