-A +A
عبدالاله الهوساوي
تدور أحوال هذه القصة في إحدى المدن. أبطال هذه القصة هم: محمد (مدير المستشفى)، وعبدالله (مدير مركز الرعاية الصحية الأولية)، أحمد (المريض رقم «1»)، محمود (المريض رقم «2»)، وعدنان (مقدم البرنامج التلفزيوني).
يروي أحمد أحداث هذه القصة كالتالي: قبل 3 أشهر من الآن، في يوم الأحد الساعة 10:13 دقيقة تماما وأتذكر الوقت بالدقيقة لأن أول شيء فعلته بعد سماعي للخبر هو النظر إلى جوالي وكانت الساعة في ذلك الوقت 10:13 صباحا! «أنت إنسان مؤمن بقضاء الله وقدره.

مع الأسف فإن نتيجة العينة التي أخذناها كانت إيجابية لسرطان القولون» أخبرني الجراح.
تضمنت الخطة العلاجية كما قيل لي: إجراء بعض فحوصات للدم، وعمل أشعة مقطعية ومن ثم تحديد موعد لإجراء العملية في (أقرب فرصة ممكنة!). ومع الأسف الأيام أصبحت أسابيع والأسابيع أصبحت أشهرا!
في نفس اليوم الذي تم فيه تشخيص أحمد بسرطان القولون، بدأ محمد برنامجا لزيادة الفعالية والتقليل من فترة التنويم التي يمكثها المرضى في المستشفى.
يقول محمد إن السبب وراء استحداثه لهذا البرنامج هو كثرة الشكاوى من المرضى وذويهم بسبب طول فترة الانتظار حتى يتمكنوا من الدخول للمرضى للعلاج.
استعان مدير المستشفى بشركة (استشارات دولية) للنظر في أداء المستشفى وأسباب طول فترة الانتظار ووعدته بالعودة له بتقرير مفصل عن المشكلة في خلال 3 أشهر!
في مكان آخر من مدينتنا، انتهى عبدالله من اجتماع اللجنة التنفيذية بالمركز والتي ناقشت بعض المشاكل التي لوحظت مؤخرا مثل: - قيام بعض الأطباء بإرسال مرضى حالاتهم غير طارئة (مثل الزكام والصداع البسيط، والتهاب مجرى البول) إلى قسم الطوارئ.
- عزوف الكثير من مرضى السكري عن حضور مواعيدهم مع الطبيب العام مما ينتهي بالكثير منهم في قسم الطوارئ بمشاكل مثل الإغماءات السكرية أو القدم السكرية.
في مساء أحد الأيام وعندما عاد محمد إلى البيت، فتح التلفزيون وإذا به يشاهد بداية لإحدى حلقات البرنامج التلفزيوني المشهور «بالصراخ والصراخ المعاكس» والذي يدير حواره عدنان. كانت الحلقة تناقش موضوع «السعودة» في القطاع الصحي وكعادته، انهال عدنان «بأسلوبه المثير للجدل» من صراخ وزعيق على القطاع الصحي واتهمه بالفشل في موضوع «السعودة». متأثرا بما دار في حلقة هذا البرنامج، قرر محمد عدم تجديد العقود لعشر من الممرضات من جنسية آسيوية. عودا إلى محمد، هذه هي نتيجة التقرير الذي أعدته شركة الاستشارات عن مستشفاه:
- أغلقت المستشفى 100 سرير بسبب نقص الكادر الطبي، خصوصا التمريض، مما أدى إلى إنقاص عدد الأسرة التي يمكن تشغيلها إلى 400 سرير (بدلا من 500 سرير).
- معدل الدخول للمستشفى أكبر بكثير من الخروج.
- طول فترة الانتظار بالطوارئ.
- طول فترة الانتظار لمواعيد العيادات الخارجية والعمليات.
- وجود نسبة كبيرة من المرضى المنومين من فئة محمود.
ما هي قصة محمود؟ محمود هو مريض شاب قد خضع لعملية استئصال المرارة عن طريق المنظار ومع الأسف فإن فترة مكوثه في المستشفى وصلت إلى 10 أيام (بدل أن تكون يوما واحدا أو يومين!). لماذا؟ هذه بعض الأسباب: دخل محمود إلى المستشفى قبل العملية بيومين. وبعد أن أجريت له العملية بنجاح، أخذ محمود يماطل للبقاء في المستشفى لفترة أطول، فتارة يخبر الطبيب المعالج بأنه لايزال يتألم وتارة يقول إنه يريد أن يبقى حتى يزال الضماد عن الجرح، إلى غيرها من الأعذار غير المقنعة طبيا!
في النهاية:
- مازال أحمد ينتظر موعد إجراء عمليته بفارغ الصبر وكله أمل ألا يكون السرطان قد انتشر في جسده!
- شعر محمد بأنه تسرع في التفريط في هذا العدد الكبير من ممرضاته ذوات الخبرة والكفاءة، وأن وجودهن لم يكن ليؤثر على «السعودة» في مستشفاه بل على العكس كان سيؤثر إيجابا على تأهيل الكادر التمريضي السعودي في مستشفاه عن طريق تدريبهم على يد الخبرات الموجودة.
- يقوم عدنان حاليا بإعداد حلقة «ساخنة» عن الأخطاء الطبية وذلك بسبب حصول خطأ طبي في المستشفى من إحدى الممرضات التي قامت بإعطاء المريض الدواء الخاطئ وذلك بسبب «النقص الكبير» للمرضات في المستشفى والذي زاد سوءا بعد القرار الذي قام به محمد من عدم تجديد عقود العشر ممرضات غير السعوديات!
- لايزال المرضى أمثال محمود يتواجدون في مستشفياتنا من غير فهم منهم أن مكوثهم في المستشفى ولو ليوم واحد زيادة، قد يتسبب في الإضرار بمريض آخر (وربما يؤدي إلى فقدان مريض حياته!).
سأختم بهذه الأسئلة:
- كم مرة تتكرر قصة أحمد في مستشفياتنا؟ ومن المسؤول؟ هل هو الجراح، أو مدير المستشفى، أو القطاع الصحي؟!
- كيف بإمكاننا مساعدة عبدالله؟ وإلى متى سنظل نتحدث عن أهمية الرعاية الصحية الأولية من غير اتخاذ خطوات عملية لتقويتها؟
- من سيحاسب عدنان وأمثاله في طرح مواضيع «حيوية» ومهمة جدا للمجتمع، ولكن مع الأسف بطريقة «سطحية» تعتمد على الفرقعات الإعلامية واللعب بالمشاعر ولا تخدم الموضوع بل تزيد من الاستقطاب في المواقف؟!
- متى يكون لدينا تشريعات تقلل من استخدام القطاع الصحي بطريقة سلبية من قبل بعض المرضى أمثال محمود؟!