(ارقدي بسلام) آمنة مطمئنة.. الحقيقة أنها رحلت بهدوء بعيدا عن ضجيج الحياة وصخب الكرة الأرضية.. لعل الحقيقة أيضا أن عدم بقائها يؤلم من ودعها أكثر..
كنت امشي وحيدة وحولي صوت الموسيقى، يحيطني الهدوء والرخاء والسعادة.. أتت إلي تودعني.. صفعتني بكامل قوتها.. ثم رشتني بماء بارد جمد كل خلية بجسدي.. ثم كسرت ظهري وألبستني السواد باقي حياتي.
يقول كنفاني: إن قضية الموت ليست على الإطلاق قضية الميت.. إنها قضية الباقين!!
عندما ترحل روح وتعود من حيث أتت.. من التراب للتراب.. يبقى صوتها يرن في آذان الأحياء.. يسمعون كلماتها التي اعتادوا عليها.. يسمعون توجيهاتها ولومها.. يسمعون تحيتها ووداعها.. يسمعون أنفاسها وقت نومها، تبقى رائحتها عالقة في باقي ثيابها التي أزالوها من العلاقة التي خلف الباب ووضعوها في الدواليب كي تزول ذكراها.. يبقى شرشف السرير في عدم ترتيبه كما تركته في آخر غفوة غفتها.
اجلس وحدك في غرفتها.. وضع ذكرياتها على الطاولة.. آخر فنجان قهوة شربته هذه الروح وتركت باقيه باردا.. آخر سبحة اشترتها واستغفرت بها لذنوبها قبل رحيلها.. آخر هدية كانت منه.. آخر مكان ذهبتم اليه.. آخر نكتة ضحكتم عليها.. آخر وجبة جمعتكم.
هناك من لا يكتبون وصية لأن القدر يفاجئهم.. دون مرض.. دون تهديد.. دون وعيد.. دون وقت.. لكنك لو عدت بالوراء لوجدت أن كل أعمارهم كانت وصايا لك.. تستطيع تنفيذها لهم.
ماذا احبوا فيك (أبقه كما هو دون تغيير).. ماذا كرهوا فيك (ارمه وراء ظهرك).. كيف ارادوا أن يروك (كنه فورا).. حقق احلامهم.. اسع لطموحهم.. زر أماكنهم المحببة.. ارتد الوانهم المفضلة.
كن وفيا لذكراهم كل دقيقة.. الأرواح تسكن بيننا تفرح معنا.. تحزن معنا.. الموت قضيتنا فوق الأرض.. وقضيتهم تحت الأرض.