أما زلتم ترسلون خريجيكم من كليات الطب إلينا؟! (أو بالحجازي: لسه بترسلوهم؟!). قالها لي أحد الجراحين الكنديين عام 2004 في أحد المستشفيات في كندا. ذلك أنه قبل حوالى ربع قرن من الزمن (25 سنة) وفي خلال فترة تدريبه، كان أحد زملاء هذا الجراح طبيب من السعودية. عاد بعدها هذا الطبيب إلى السعودية، ومنذ ذلك الوقت عاد المئات (وربما الآلاف) من الأطباء إلى أرض الوطن وهم يحملون الزمالة البريطانية، أو الكندية، أو الأمريكية، أو غيرها من زمالات التدريب في التخصصات الطبية المختلفة.
الموضوع الذي كان يلمح له الجراح الكندي هو: إذا كان عدد السكان في كندا: 33 مليون نسمة، وعدد السكان في السعودية: 30 مليون نسمة، وإذا كان هنالك مستشفيات ومرضى في كندا كما هو الحال في السعودية، وإذا كان هنالك استشاريو جراحة متميزين في كندا كما هو الحال في السعودية، لماذا إلى الآن يرسل السعوديون صفوة خريجيهم للتدريب في كندا (وغيرها من الدول الغربية)؟!
للإجابة على هذا السؤال، سأسلط الضوء، في البداية، على موضوع النقل المعرفي (Knowledge Transfer). منذ تأسيسها في عام 1932، اتخذت المملكة في ذلك الوقت، كونها دولة نامية، قرارا إستراتيجيا يساعدها في خططها التنموية، وذلك باستحداث برنامج البعثات والذي يقتضي أن تختار المملكة صفوة شبابها (وشاباتها) ومن ثم ترسلهم إلى الخارج سواء الغرب (أوروبا وأمريكا الشمالية) أو الشرق (اليابان وكوريا) لكي يستفيدوا من خبرات الدول التي سبقتنا في المجالات التنموية المختلفة مثل: الطب، والهندسة، والكمبيوتر....الخ.
لا شك أن برنامج البعثات الحكومية كان ولا يزال برنامجا ناجحا بامتياز ومفيدا للمملكة، ولكن حتى نتمكن من استخدامه كأداة «نقل معرفي»، نحتاج إلى إستراتيجية للاستمرارية. بمعنى آخر، إذا أردنا أن نجني ثمار الإستراتيجية الحكيمة التي بدأت قبل عقود من السنين، فلا بد أن يواكب برنامج البعثات برنامج آخر يعمل على تهيئة بيئة العمل وربط النقل المعرفي بالخطط الخمسية التنموية للمملكة، حتى ينخرط المبتعث فور عودته من الخارج في العمل على نهضة الوطن، بدل أن يخسره البلد بشكل جزئي (في حال تحوله إلى شخص فاقد الأمل في المشاركة والتحسين)، أو بشكل كامل (في حال هجرته إلى بلد آخر للعمل). الاستمرارية تقتضي أيضا أن يكون هنالك تاريخ تنتهي بعده البعثات الخارجية، وذلك عندما تكون الظروف داخل الوطن جاهزة لتكملة مسيرة النهضة والتنمية.
غياب إستراتيجية واضحة للنقل المعرفي، أدى إلى الكثير من المصاعب في القطاع الصحي. خذ على سبيل المثال:
- النقص الشديد للكوادر الوطنية الصحية المؤهلة: فمع أن المملكة لديها العديد من الأطباء المؤهلين والقادرين على القيام على تدريب الآلاف من الأطباء في التخصصات المختلفة، إلا أن الفجوة بين العرض والطلب، مع الأسف، لا تزال في ازدياد. ووصل الحال ببعضهم إلى التركيز على «الكم لا الكيف»، فهنالك تركيز كبير على زيادة عدد خريجي طلاب الطب والتمريض، والهيئة السعودية للتخصصات الصحية بدأت أيضا بالدفع نحو زيادة عدد الأطباء المتدربين في برامج التدريب والزمالة. ومع أنه من البديهي في هذه الحالة من النقص الشديد، التركيز على زيادة الأطباء والممرضين (الكم)، من الذي سيضمن جاهزيتهم وكفاءتهم (الكيف)؟!
أعود لزميلنا الجراح الكندي للإجابة على سؤاله: التعليم والتدريب الطبي مرتبط ارتباطا وثيقا بالقطاع الصحي الذي يتواجد داخله، وهو يتأثر ويؤثر على جودة القطاع الصحي، فلن تستطيع أن تخرج أطباء وممرضين ممتازين من غير وجود قطاع صحي ممتاز.
الحل للتعليم الطبي بشقّيه (الجامعي وما بعد الجامعي) هو تقوية الخدمة الصحية في مستشفيات المملكة (مع العلم أنه حاليا لا يكاد يصل عدد المستشفيات المعتمدة من الهيئة للتدريب الطبي إلى الثلث فقط!). لن نستطيع ضمان جودة التدريب الطبي، من دون قطاع صحي قوي، وفي المقابل، لن نستطيع ضمان استمرارية القطاع الصحي من دون تعليم/ تدريب طبي قوي!
الموضوع الذي كان يلمح له الجراح الكندي هو: إذا كان عدد السكان في كندا: 33 مليون نسمة، وعدد السكان في السعودية: 30 مليون نسمة، وإذا كان هنالك مستشفيات ومرضى في كندا كما هو الحال في السعودية، وإذا كان هنالك استشاريو جراحة متميزين في كندا كما هو الحال في السعودية، لماذا إلى الآن يرسل السعوديون صفوة خريجيهم للتدريب في كندا (وغيرها من الدول الغربية)؟!
للإجابة على هذا السؤال، سأسلط الضوء، في البداية، على موضوع النقل المعرفي (Knowledge Transfer). منذ تأسيسها في عام 1932، اتخذت المملكة في ذلك الوقت، كونها دولة نامية، قرارا إستراتيجيا يساعدها في خططها التنموية، وذلك باستحداث برنامج البعثات والذي يقتضي أن تختار المملكة صفوة شبابها (وشاباتها) ومن ثم ترسلهم إلى الخارج سواء الغرب (أوروبا وأمريكا الشمالية) أو الشرق (اليابان وكوريا) لكي يستفيدوا من خبرات الدول التي سبقتنا في المجالات التنموية المختلفة مثل: الطب، والهندسة، والكمبيوتر....الخ.
لا شك أن برنامج البعثات الحكومية كان ولا يزال برنامجا ناجحا بامتياز ومفيدا للمملكة، ولكن حتى نتمكن من استخدامه كأداة «نقل معرفي»، نحتاج إلى إستراتيجية للاستمرارية. بمعنى آخر، إذا أردنا أن نجني ثمار الإستراتيجية الحكيمة التي بدأت قبل عقود من السنين، فلا بد أن يواكب برنامج البعثات برنامج آخر يعمل على تهيئة بيئة العمل وربط النقل المعرفي بالخطط الخمسية التنموية للمملكة، حتى ينخرط المبتعث فور عودته من الخارج في العمل على نهضة الوطن، بدل أن يخسره البلد بشكل جزئي (في حال تحوله إلى شخص فاقد الأمل في المشاركة والتحسين)، أو بشكل كامل (في حال هجرته إلى بلد آخر للعمل). الاستمرارية تقتضي أيضا أن يكون هنالك تاريخ تنتهي بعده البعثات الخارجية، وذلك عندما تكون الظروف داخل الوطن جاهزة لتكملة مسيرة النهضة والتنمية.
غياب إستراتيجية واضحة للنقل المعرفي، أدى إلى الكثير من المصاعب في القطاع الصحي. خذ على سبيل المثال:
- النقص الشديد للكوادر الوطنية الصحية المؤهلة: فمع أن المملكة لديها العديد من الأطباء المؤهلين والقادرين على القيام على تدريب الآلاف من الأطباء في التخصصات المختلفة، إلا أن الفجوة بين العرض والطلب، مع الأسف، لا تزال في ازدياد. ووصل الحال ببعضهم إلى التركيز على «الكم لا الكيف»، فهنالك تركيز كبير على زيادة عدد خريجي طلاب الطب والتمريض، والهيئة السعودية للتخصصات الصحية بدأت أيضا بالدفع نحو زيادة عدد الأطباء المتدربين في برامج التدريب والزمالة. ومع أنه من البديهي في هذه الحالة من النقص الشديد، التركيز على زيادة الأطباء والممرضين (الكم)، من الذي سيضمن جاهزيتهم وكفاءتهم (الكيف)؟!
أعود لزميلنا الجراح الكندي للإجابة على سؤاله: التعليم والتدريب الطبي مرتبط ارتباطا وثيقا بالقطاع الصحي الذي يتواجد داخله، وهو يتأثر ويؤثر على جودة القطاع الصحي، فلن تستطيع أن تخرج أطباء وممرضين ممتازين من غير وجود قطاع صحي ممتاز.
الحل للتعليم الطبي بشقّيه (الجامعي وما بعد الجامعي) هو تقوية الخدمة الصحية في مستشفيات المملكة (مع العلم أنه حاليا لا يكاد يصل عدد المستشفيات المعتمدة من الهيئة للتدريب الطبي إلى الثلث فقط!). لن نستطيع ضمان جودة التدريب الطبي، من دون قطاع صحي قوي، وفي المقابل، لن نستطيع ضمان استمرارية القطاع الصحي من دون تعليم/ تدريب طبي قوي!