«يقوم المجلس الصحي السعودي بتنفيذ دراسة لوضع التشريعات المناسبة للممارسة المزدوجة للأطباء السعوديين في القطاعيين العام والخاص «Dual Practice»، ونظرا لأهمية رأيكم بهذا الخصوص نأمل منكم الدخول على الرابط ..... وتعبئة الاستبانة علما أن جميع الإجابات سرية...». إذا كنت مثلي (ممارسا صحيا في المملكة)، فهنالك احتمال كبير أنك تلقيت هذه الرسالة على جهاز جوالك (لعدة مرات)!
سأتحدث عن ما يعرف بـ«الممارسة المزدوجة» في المملكة ولكن قبل ذلك، دعونا نحلق إلى قارة أمريكا الشمالية لدقائق - قبل أن نعود إلى السعودية. خلال فترة تدريبي في تخصص الجراحة، عملت في كندا وأمريكا كطبيب مقيم (في الزمالة الكندية)، وكجراح تحت التدريب «Fellow» (في البورد الأمريكي)، ومن خلال تجربتي في هذين البلدين أستطيع أن أقول لك إنه لم يكن هنالك «ممارسة مزدوجة» في المستشفيات التي عملت بها، ولكن قبل أن يظن البعض، ممن يحملون (لواء الحرب) على الممارسة المزدوجة، أنني أدعم «حملتهم الشعواء» ضد الممارسة المزدوجة في المملكة، سوف أقوم بوصف الجدول الأسبوعي لغالبية الجراحين في المستشفيات التي عملت بها في أمريكا وكندا:
- يبدأ الجراح عمله بالمستشفى بين الساعة 6 أو 7 صباحا وينهي دوامه الساعة 6 أو 7 مساء (أي بمعدل 12 ساعة في اليوم!).
- يعمل الجراح في غرفة العمليات بمعدل 3 - 4 أيام في الأسبوع (من أصل 5 أيام عمل رسمي أسبوعيا).
- يغطي الجراح عيادة (وربما اثنتين) أسبوعيا.
في المقابل سأحاول وصف الجدول الأسبوعي لكثير من الجراحين في المملكة: يبدأ الجراح عمله بالمستشفى بين الساعة 8 صباحا وينهي دوامه الساعة 5 مساء (أي بمعدل 9 ساعات في اليوم!).
- يعمل الجراح في غرفة العمليات بمعدل يوم واحد في الأسبوع (وربما يجري بعضهم عمليات مرة واحدة كل أسبوعين أو ثلاثة أسابيع!).
- يغطي الجراح عيادة أسبوعيا.
وقبل أن يتهم الكثير من الجراحين السعوديين بعدم الإنتاجية وقلة النشاط، أود أن أذكركم بأن أهم سبب في قلة عدد أيام العمليات التي يجريها الجراح (في الكثير من مستشفيات المملكة) يعود إلى عدم جاهزية المستشفى (عموما) وغرفة العمليات (خصوصا) لإعطاء الجراح فرصة إجراء العمليات ثلاث أو أربع مرات في الأسبوع، لأسباب كثيرة (مثل عدم وجود سرير للمريض، عدم وجود سرير عناية مركزة، عدم وجود وحدات دم للمريض....الخ)! وما ينطبق على تخصص الجراحة، ينطبق على تخصصات أخرى كثيرة.
ما ذكرته أعلاه، دعاني إلى الخروج بـ«نظرية الـ30%»، وتنص هذه النظرية على ما يلي: إنتاجية (غالبية) الأطباء (خصوصا في المستشفيات الحكومية) لا يكاد يتجاوز 30 % مما هم قادرون على إنتاجه والقيام به.
كثير من أسباب ضعف الإنتاجية يعود إلى أمور خارجة عن نطاق تحكم الأطباء وربما المستشفى، (أذكركم بمقالي قبل أسبوعين بعنوان: يحكى أن!)... عودا على موضوع «الممارسة المزدوجة»، أقول ما يلي:
- في الوقت الذي تعاني فيه كثير من المستشفيات، من ضعف الإنتاجية.
- وفي الوقت الذي تتزايد فيه أوقات قوائم الانتظار (بالشهور وربما السنين): سواء في الطوارئ، أو العيادات، أو انتظارا للعمليات.
- وفي الوقت الذي يتعرض فيه الكثير من المرضى للضرر بسبب حصولهم للخدمة الصحية على أيدي أطباء وممارسين صحيين «غير أكفاء»، (وربما مارس بعضهم لسنين قبل أن نفاجأ بأنه ليس طبيب، بمعنى آخر قام بتزوير شهادته!) في نفس الوقت الذي يزخر فيه القطاع الصحي بالكثير من الأطباء السعوديين «المؤهلين» ولكن غير مستغلين استغلالا جيدا (أصحاب نظرية الـ30%).
- وإذا علمنا كمية «النقص الهائل» التي يعاني منها القطاع الصحي في الموارد البشرية المؤهلة، وتزايد الفجوة بين العرض والطلب. هل يعقل، في بلد غني بالموارد البشرية والمادية، أن ينتظر مريض في أحد المستشفيات الحكومية لأشهر وربما سنين (خارج المستشفى) ومن ثم أسابيع (داخل المستشفى) لإجراء عملية له، فقط لأن المستشفى لا يوجد بها أطباء تخدير كفاية، في الوقت الذي يوجد فيه الكثير من أطباء التخدير المؤهلين (أصحاب نظرية الـ30%) على مسافة ساعة بالطائرة؟!
وهل يعقل أن يتعرض الآلاف من المواطنين لخطر الموت من جلطات القلب، لمجرد وجودهم في مناطق معينة في المملكة تفتقر إلى خبرات استشاريي قسطرة القلب، وفي نفس الوقت هنالك الكثير من استشاريي القلب المؤهلين (أصحاب نظرية الـ30%) على مسافة ساعة بالطائرة؟!
وهل من المقبول أخلاقيا أن يتعرض مواطن لخدمة صحية ذات جودة سيئة، قد تؤثر على صحته (وربما حياته)، في نفس الوقت الذي يتعرض مواطن آخر (يعيش في نفس المدينة) لخدمة صحية ذات جودة عالية، بسبب أن أهلية العلاج للأول تضعه في مستشفى لا يملك الكوادر الصحية المؤهلة بينما أهلية العلاج للأخير تضعه في مستشفى ممتاز يعج بالكوادر الصحية المؤهلة؟! بعد كل ما ذكرت أعلاه، ألا تعتقد أن «الممارسة المزدوجة»، في حال وجود القوانين التي تضمن زيادة الفاعلية والاستفادة القصوى من الخبرات الوطنية في جميع القطاعات، أصبحت ضرورة وليست مجرد ترف؟! .. سؤال أتمنى أن يصل لصانعي القرار!
سأتحدث عن ما يعرف بـ«الممارسة المزدوجة» في المملكة ولكن قبل ذلك، دعونا نحلق إلى قارة أمريكا الشمالية لدقائق - قبل أن نعود إلى السعودية. خلال فترة تدريبي في تخصص الجراحة، عملت في كندا وأمريكا كطبيب مقيم (في الزمالة الكندية)، وكجراح تحت التدريب «Fellow» (في البورد الأمريكي)، ومن خلال تجربتي في هذين البلدين أستطيع أن أقول لك إنه لم يكن هنالك «ممارسة مزدوجة» في المستشفيات التي عملت بها، ولكن قبل أن يظن البعض، ممن يحملون (لواء الحرب) على الممارسة المزدوجة، أنني أدعم «حملتهم الشعواء» ضد الممارسة المزدوجة في المملكة، سوف أقوم بوصف الجدول الأسبوعي لغالبية الجراحين في المستشفيات التي عملت بها في أمريكا وكندا:
- يبدأ الجراح عمله بالمستشفى بين الساعة 6 أو 7 صباحا وينهي دوامه الساعة 6 أو 7 مساء (أي بمعدل 12 ساعة في اليوم!).
- يعمل الجراح في غرفة العمليات بمعدل 3 - 4 أيام في الأسبوع (من أصل 5 أيام عمل رسمي أسبوعيا).
- يغطي الجراح عيادة (وربما اثنتين) أسبوعيا.
في المقابل سأحاول وصف الجدول الأسبوعي لكثير من الجراحين في المملكة: يبدأ الجراح عمله بالمستشفى بين الساعة 8 صباحا وينهي دوامه الساعة 5 مساء (أي بمعدل 9 ساعات في اليوم!).
- يعمل الجراح في غرفة العمليات بمعدل يوم واحد في الأسبوع (وربما يجري بعضهم عمليات مرة واحدة كل أسبوعين أو ثلاثة أسابيع!).
- يغطي الجراح عيادة أسبوعيا.
وقبل أن يتهم الكثير من الجراحين السعوديين بعدم الإنتاجية وقلة النشاط، أود أن أذكركم بأن أهم سبب في قلة عدد أيام العمليات التي يجريها الجراح (في الكثير من مستشفيات المملكة) يعود إلى عدم جاهزية المستشفى (عموما) وغرفة العمليات (خصوصا) لإعطاء الجراح فرصة إجراء العمليات ثلاث أو أربع مرات في الأسبوع، لأسباب كثيرة (مثل عدم وجود سرير للمريض، عدم وجود سرير عناية مركزة، عدم وجود وحدات دم للمريض....الخ)! وما ينطبق على تخصص الجراحة، ينطبق على تخصصات أخرى كثيرة.
ما ذكرته أعلاه، دعاني إلى الخروج بـ«نظرية الـ30%»، وتنص هذه النظرية على ما يلي: إنتاجية (غالبية) الأطباء (خصوصا في المستشفيات الحكومية) لا يكاد يتجاوز 30 % مما هم قادرون على إنتاجه والقيام به.
كثير من أسباب ضعف الإنتاجية يعود إلى أمور خارجة عن نطاق تحكم الأطباء وربما المستشفى، (أذكركم بمقالي قبل أسبوعين بعنوان: يحكى أن!)... عودا على موضوع «الممارسة المزدوجة»، أقول ما يلي:
- في الوقت الذي تعاني فيه كثير من المستشفيات، من ضعف الإنتاجية.
- وفي الوقت الذي تتزايد فيه أوقات قوائم الانتظار (بالشهور وربما السنين): سواء في الطوارئ، أو العيادات، أو انتظارا للعمليات.
- وفي الوقت الذي يتعرض فيه الكثير من المرضى للضرر بسبب حصولهم للخدمة الصحية على أيدي أطباء وممارسين صحيين «غير أكفاء»، (وربما مارس بعضهم لسنين قبل أن نفاجأ بأنه ليس طبيب، بمعنى آخر قام بتزوير شهادته!) في نفس الوقت الذي يزخر فيه القطاع الصحي بالكثير من الأطباء السعوديين «المؤهلين» ولكن غير مستغلين استغلالا جيدا (أصحاب نظرية الـ30%).
- وإذا علمنا كمية «النقص الهائل» التي يعاني منها القطاع الصحي في الموارد البشرية المؤهلة، وتزايد الفجوة بين العرض والطلب. هل يعقل، في بلد غني بالموارد البشرية والمادية، أن ينتظر مريض في أحد المستشفيات الحكومية لأشهر وربما سنين (خارج المستشفى) ومن ثم أسابيع (داخل المستشفى) لإجراء عملية له، فقط لأن المستشفى لا يوجد بها أطباء تخدير كفاية، في الوقت الذي يوجد فيه الكثير من أطباء التخدير المؤهلين (أصحاب نظرية الـ30%) على مسافة ساعة بالطائرة؟!
وهل يعقل أن يتعرض الآلاف من المواطنين لخطر الموت من جلطات القلب، لمجرد وجودهم في مناطق معينة في المملكة تفتقر إلى خبرات استشاريي قسطرة القلب، وفي نفس الوقت هنالك الكثير من استشاريي القلب المؤهلين (أصحاب نظرية الـ30%) على مسافة ساعة بالطائرة؟!
وهل من المقبول أخلاقيا أن يتعرض مواطن لخدمة صحية ذات جودة سيئة، قد تؤثر على صحته (وربما حياته)، في نفس الوقت الذي يتعرض مواطن آخر (يعيش في نفس المدينة) لخدمة صحية ذات جودة عالية، بسبب أن أهلية العلاج للأول تضعه في مستشفى لا يملك الكوادر الصحية المؤهلة بينما أهلية العلاج للأخير تضعه في مستشفى ممتاز يعج بالكوادر الصحية المؤهلة؟! بعد كل ما ذكرت أعلاه، ألا تعتقد أن «الممارسة المزدوجة»، في حال وجود القوانين التي تضمن زيادة الفاعلية والاستفادة القصوى من الخبرات الوطنية في جميع القطاعات، أصبحت ضرورة وليست مجرد ترف؟! .. سؤال أتمنى أن يصل لصانعي القرار!