-A +A
نجيب عصام يماني
أكد خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز على أن مسؤولية الإعلام مسؤولية خطيرة، يجب أن يعيها كل من يعمل فيها، لأن التأثير والتوجيه الذي أصبح للإعلام في الوقت الحاضر إنما يفرض على كل من تولى مسؤولية إعلامية أن يشعر نفسه بأنه أستاذ في مدرسة، فكما أن الأستاذ ينشئ أجيالا كذلك المسؤول والمحرر في الإعلام. هذا كلام من ذهب لرجل بحجم الملك سلمان خبر الإعلام وسبر أعماقه وعرف تأثيره. وفي الشارقة يؤكد مستشار الملك وأمير منطقة مكة المكرمة خالد الفيصل أن لا حضارة ولا تطور ولا تقدم إلا بالثقافة والفكر والتعلم، لذا فإن التطلعات والآمال الوطنية لازالت أنظارها متعلقة بالدكتور عادل الطريفي بخبراته المتعددة ودراساته في تاريخ الدول والشعوب، وصلته بالمشهد الثقافي وتحولاته منذ أن كان كاتبا في الصحف المحلية، يجعلنا ننتظر منه أن يطوع ما هو قائم من أدوات ووسائط إعلامية وثقافية متعددة تستطيع أن تشكل المنتج الإعلامي والمشهد الثقافي وتعيد صياغته بما يتناسب والمرحلة التي نعيشها وما فرضه علينا عالم الاتصالات المتسارع بتقنياته لنواكب مسيرة الأحداث من حولنا ونؤثر فيها ونشارك بعمق في الاهتمام بالتنشئة الثقافية للأجيال وربطهم بتراثهم وهويتهم وقيمهم الأصيلة، ولعل تلفزيوننا زمان أيام الأبيض والأسود ببرامجه وأحداثه كان تأثيره أكبر بسبب جدته، حيث صاغ وعينا الوطني والديني والفكري والثقافي والذهني على أقوم ما يكون من الصياغة، غرس فينا الكثير من القيم والمفاهيم بعيدا عن التزمت والتنطع والتجيش ضد الآخر وإثارة النعرات، ومقاومة خطاب الجماعات المندسه التي تحاول أن تجد لها مكانا بيننا. كان تلفزيوننا يبدأ بالقرآن الكريم ثم علم الوطن يرفرف بكلمة التوحيد على أنغام النشيد الوطني فنحس بنشوة الوطنية وحب الانتماء نحفظه ونردده مع أنفسنا وأمام الآخرين. تتوالى برامجه وفقراته من الأحداث والأخبار وما يدور حولنا وثقافات وعلوم غيرنا، تعلمنا من محمد علي سندي أن في المدينة المنورة واديا اسمه العقيق ومن غازي علي تعرفنا على روابي قبا وعروة والبستان، ومن شربة من زمزم وسقاني عرفنا قدسية ماء زمزم وأسراره ومن طلال مداح عرفنا أن في وطننا الكبير مدينة تسمى أبها وهي لابسة فستانا ذهبيا طويلا، ومن فوزي محسون عرفنا أن جدة شاطئ جميل وأنها كاتمة أسرار المحبين وأن أيامها حلوه وهرجها دقه، ومن طارق عبدالحكيم عرفنا روابي شهار ووادي وج والمثناه وأنها في طائفنا المأنوس، كنا نحلق في عالم الإبداع مع عبده مزيد وفرقة الإذاعة والتلفزيون. كانت سهرتنا ثرية مع الأفلام والمسرحيات والمسلسلات، كوجاك وفيوري والهارب ولوسي ورجل الستة ملايين دولار والغواصة الذرية وكومبنت. كانت الجرعة الدينية من الشيخ المسند والطنطاوي تكفينا، كانت الأسئلة معقولة والأجوبه أعقل تمثل الجانب الإسلامي الأسهل. عرفنا من تلفزيون وطننا العربي وربوع بلادي. تعلمنا منه مكارم الأخلاق وقداسة الجيران وغض الطرف حتى يواري جارتي مثواها. كنا نفرح بمسرح التلفزيون مع مشقاص ولطفي زيني وسعيد بصيري وأبو خداش وأم حديجان نتفاعل مع النكتة ونضحك مع الضحكة ونطرب مع الموسيقى، كنا نوقت الساعة على برنامج الأطفال برسائله الهادفة، كان فكر واربح مرجعا ثريا بمعلوماته. حتى عندما حاول البعض مد أعناق اللاقط لالتقاط الآخر ظل تلفزيوننا عزيزا علينا لا نستطيع عن برامجه فكاكا. تفاعلنا صغارا مع فضائل وتضحيات بوكاهانتس وعدنان ولينا وتوم اند جيري، كانت المصارعة وصوت الراشد يجمعنا في سهرات عائلية يفتقدها جيل اليوم، كنا بحب وقناعة نعظم شعائر الله، فتختفي برامج التلفزيون المعتادة. حتى فاجأنا جهيمان، ويقول الأمير خالد الفيصل (بعد اقتحام جهيمان للحرم المكي تم التعاطي مع الموضوع بشكل عسكري لكننا لم نتفاعل مع الموضوع كما يجب من الوجهة الفكرية، قضينا على الأشخاص ولكننا تغاضينا عن الفكر الذي كان وراء تلك الحادثة). فتغير الحال.
تغلغل الفكر المتشدد فينا وتغلب علينا كل متنطع لا يؤمن بوسطية الإسلام. ومعاليكم اليوم يملك ناصية الثقافة والإعلام. فليسهم بإعلامه وأدواته في تفكيك التشدد ودحر التنطع وأن حب الوطن من الإيمان ويغير صورا لطخ بياضها المتشددون والمارقون عن وسطية الإسلام، وأن يمحو كل ما ران على قلوبنا من سخام وسواد بوضع برامج ثقافية وعلمية وتراثية ترفع من مستوى الوعي وأن تكون قنواتنا المحلية على مستوى الحدث. نريد أن تعود إلينا الضحكة المفقودة نشارك الوطن أفراحه ومناسباته. يقول خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله رحمه الله (كل ما أخشاه أن يولد جيل يتربى على العنف والتطرف) ومسؤوليتك وأنت الأدرى أن تتدارك إنسان هذه الأرض فهو ثروتها الحقيقية ونريدها ثروة خير وعطاء ومحبة لا قتل وإرهاب وجهاد باطل، فراغنا طويل لا نملك مسرحا وهو أبو الفنون ولا دار أوبرا حتى نوادينا الأدبية فعاليتها محدودة وغير مجدية. فنوننا وثقافتنا وأفلامنا تجوب العالم وتشارك في مهرجاناته وتفوز بسعفاته يشاهدها غيرنا ونحن محرومون منها، مسارحنا مؤقتة للعيد فقط. نظل فقراء فكر وجوعى ثقافة، لابد أن يكون الإعلام والثقافة سندا للأيدي الأمنية التي تضرب المتشددين وتفكك فكر الإرهابيين وأستشهد بقول المستشار الأمين الأمير خالد الفيصل لابد أن نواجه الفكر بالفكر ونسترد الإسلام من خاطفيه ونحمي الوطن من مخربيه فالثقافة والإعلام لهما دور كبير في طموحات الوطن ورقيه واستقراره.