يعيد خبر تبرع صاحب ورئيس مجلس إدارة «فيس بوك» (مارك زوكيربيرغ) بـ 99% من ثروته، التي تُقدر بـ 45 مليار دولار للجمعيات الخيرية، قضية توجه بعض أغنياء العالم المتقدم، الأمريكيين على وجه الخصوص، نحو إعادة النظر في فكرة ومنطق المال والعمل على جمعه وتراكمه. كارل ماركس (1818 - 1883) كان من أشد فلاسفة التاريخ نقدا لفكرة المال، والملكية الخاصة، بصورة عامة. ماركس كان أول من ربط بين متغيري المال والسلطة، عبر التاريخ، لدرجة أنه رسم حلا رومانسيا لحياة مثالية للبشر، في مجتمع شبه فوضوي تنعدم فيه غريزة جمع المال وشهوة السلطة معا!
ماركس، في كتابه رأس المال (1867) طور ما أسماها بنظرية الاشتراكية العلمية، ليثبت فساد الفكر والممارسة الديمقراطية في ظل الرأسمالية، مفندا: أن تجربة الديمقراطية في الغرب تقوم على «ديكتاتورية» القلة، وليس على حكم الأغلبية. ماركس ذهب بعيدا في تحليل الفكرة والممارسة الرأسمالية لدرجة أنه جافى بعض الحقائق الاقتصادية وعمل على خلطها بالمتغيرات السياسية زاعما: أنه لا توجد منفعة حدية في غريزة جمع المال وتراكمه.. وأن السلطة (السياسية)، وليس مجرد تراكم الثروة، هي الدافع النهائي، لمحاولة السيطرة على أدوات الإنتاج في أي حقبة تاريخية، بالذات في المرحلة الرأسمالية.
في توجه الكثير من أغنياء العالم، ومن بينهم أكثر جامعيه ومنميه نجاحا وفُحشا، من أمثال بل جيتس.. ووارن ب?يت، وغيرهما، وأخيرا مارك زوكيربيرغ، ما يشكل تحديا عمليا لنظرية ماركس الاشتراكية، ووجهة نظره المعادية لرأس المال وما يتمخض عنها من تبعات سياسية واجتماعية سيئة. مثل هؤلاء الأشخاص، الذين يقبعون في قمة هرم الثروة في العالم، غالبيتهم لم تنعكس ثروتهم على نمط حياتهم الخاصة. معظم هؤلاء لم يجذبهم المال إلى حضيض السفه في سوء استغلال ثرواتهم... بل إن الكثيرين منهم لايزال يسكن في بيته القديم.. ويدير أعماله من مكتبه القديم، ولايزال يقود أول سيارة اقتناها قبل أن يغتني! كما أن بعضهم، مثل زوكيربيرغ، لم يغير شكل ومظهر ونوعية ملابسه، ولايزال يشتريها من المتجر نفسه الذي كان يشتريها منه قبل أن يغتني!
هل هذا السلوك يُعد بخلا ودليلا على تملك غريزة جمع المال والحرص على تراكمه، لدرجة انعكاس ذلك على حالة البؤس والحرمان من فرط التقشف، كالتي نلاحظها لدى بعض فاحشي الثراء في الكثير من المجتمعات؟! في سلوك بعض أغنياء العالم (الخيرين) هؤلاء تتضح قاعدة المنفعة الحدية للمال، ليطغى توجه إنفاق الكثير منه، بل أغلبيته على الجمعيات الخيرية، من أجل رفع مستوى التنمية الحقيقية في مجتمعاتهم.
قد يقول قائل أن ما يدفع هؤلاء هو التهرب من دفع الضرائب! وقد يقول ثانٍ: أن ما يدفع هؤلاء يعود لرغبتهم في تسليط الأضواء عليهم، رياء وسمعة! كما قد يقول ثالث: أن تبرعات الأغنياء في تلك المجتمعات لجزء كبير من ثرواتهم هي وسيلة ذكية من أجل غاية ليست بريئة: جمع المزيد من المال وتراكم المزيد من الثروة، من خلال استثمارهم في مشاريع اجتماعية يزعمون أنها خيرية (غير ربحية) لكنها - في حقيقة الأمر- رأسمالية للنخاع!
كل ذلك النقد لسلوك أولئك الأغنياء للتبرع بجزء كبير من ثرواتهم لأعمال البر والخير في مجتمعاتهم وخارج مجتمعاتهم، قد يبدو صحيحا. لكن السؤال هنا: ما الذي يدفعهم لمثل ذلك السلوك، بينما خيارات أخرى متاحة يؤكدون من خلالها أن هناك، في حقيقة الأمر، منفعة حدية لحب المال وجمعه والاجتهاد في تراكمه؟
الملاحظ أنه: يغلب على هؤلاء أنهم رأسماليون محترفون يتمتعون بشفافية في إدارة أعمالهم.. ملتزمون بدفع الضرائب على دخولهم.. ناجحون في إدارة أصولهم.. يتمتعون بنفوذ كبير في مجتمعاتهم.. لهم مصالح متشعبة خارج حدود مجتمعاتهم.. يتمتعون بذكاء فطري وحظ مُلفت وإبداع خارق في التعامل مع الثروة والمال.
بعض هؤلاء الأثرياء شباب، في مقتبل العمر، إلا أن حبهم لعملهم وتمسكهم بميزتهم التنافسية في مجال تجارتهم وانضباطهم المهني والأخلاقي، يتجاوز إغراء تحقيقهم لأحلامهم الشخصية، التي ربما كانت تراودهم قبل تحقيقهم لثرائهم الفاحش، كأن يعيشون في قصور منيفة.. أو يركبون سيارات فارهة.. أو يمتلكون يخوتا فخمة، أو يرتدون ملابس تصممها لهم بيوت الأزياء العالمية.... تماما كما يفعل الكثير من الأغنياء في العالم، الذين جمعوا ثرواتهم من مصادر سهلة وغير نظيفة، كصفقات السلاح.. والإتجار في المخدرات.
مما يلفت النظر في إعلان صاحب ورئيس مجلس إدارة (فيس بوك) أنه اختار مولد ابنته الأولى ليعلن خبر تبرعه بكل ثروته، تقريبا، للجمعيات الخيرية، التي سيشرف عليها هو وزجته. سلوك يعكس مسؤولية أخلاقية تجاه أجيال قادمة في بيئة اجتماعية وسياسية تعيش فيها ابنته ومن هم من جيلها، حيث يتوفر التعليم الرقمي الجيد الذي يتفوق، كما قال: على مخرجات التعليم التقليدي الحالي، بأضعاف المراحل.. وحيث تتوفر الخدمة الصحية، التي تزول فيها الكثير من الأمراض وتتحسن وتشيع فيها الخدمة الصحية الكفؤ والفعالة. يحلم أن تعيش ابنته وجيلها في مجتمع تقل فيه الفوارق والصراعات الطبقية.. وتتقلص فيه مشكلة البطالة.. وتتطور فيه الإنتاجية، كما وكيفا.. وتُصان فيه البيئة، وتزدهر الحياة الفطرية.. ويتحسن فيه أداء النظام السياسي، وتصبح فيه منظمات المجتمع المدني أكثر كفاءة وأمضى فاعلية.
باختصار: يسعى هؤلاء الأثرياء إلى إيجاد عالم يسوده السلام.. وترتفع فيه إنتاجية الفرد، وتتعاظم فيه حقوقه وحرياته. عالم تنجح في تحقيقه ثروة الحاضر، ما فشلت فيه تحقيقه الدولة القومية الحديثة. إنه عالم ما بعد الديمقراطية، بقيمها البراقة وتطبيقاتها الملتوية.. والرأسمالية التقليدية، بتوحشها الأرعن، ولا إنسانيتها.. والعولمة، بتجاهلها لما يميز البشر بعضهم عن بعض، وتعسفها في صبغ العالم بلون واحد.
ماركس، في كتابه رأس المال (1867) طور ما أسماها بنظرية الاشتراكية العلمية، ليثبت فساد الفكر والممارسة الديمقراطية في ظل الرأسمالية، مفندا: أن تجربة الديمقراطية في الغرب تقوم على «ديكتاتورية» القلة، وليس على حكم الأغلبية. ماركس ذهب بعيدا في تحليل الفكرة والممارسة الرأسمالية لدرجة أنه جافى بعض الحقائق الاقتصادية وعمل على خلطها بالمتغيرات السياسية زاعما: أنه لا توجد منفعة حدية في غريزة جمع المال وتراكمه.. وأن السلطة (السياسية)، وليس مجرد تراكم الثروة، هي الدافع النهائي، لمحاولة السيطرة على أدوات الإنتاج في أي حقبة تاريخية، بالذات في المرحلة الرأسمالية.
في توجه الكثير من أغنياء العالم، ومن بينهم أكثر جامعيه ومنميه نجاحا وفُحشا، من أمثال بل جيتس.. ووارن ب?يت، وغيرهما، وأخيرا مارك زوكيربيرغ، ما يشكل تحديا عمليا لنظرية ماركس الاشتراكية، ووجهة نظره المعادية لرأس المال وما يتمخض عنها من تبعات سياسية واجتماعية سيئة. مثل هؤلاء الأشخاص، الذين يقبعون في قمة هرم الثروة في العالم، غالبيتهم لم تنعكس ثروتهم على نمط حياتهم الخاصة. معظم هؤلاء لم يجذبهم المال إلى حضيض السفه في سوء استغلال ثرواتهم... بل إن الكثيرين منهم لايزال يسكن في بيته القديم.. ويدير أعماله من مكتبه القديم، ولايزال يقود أول سيارة اقتناها قبل أن يغتني! كما أن بعضهم، مثل زوكيربيرغ، لم يغير شكل ومظهر ونوعية ملابسه، ولايزال يشتريها من المتجر نفسه الذي كان يشتريها منه قبل أن يغتني!
هل هذا السلوك يُعد بخلا ودليلا على تملك غريزة جمع المال والحرص على تراكمه، لدرجة انعكاس ذلك على حالة البؤس والحرمان من فرط التقشف، كالتي نلاحظها لدى بعض فاحشي الثراء في الكثير من المجتمعات؟! في سلوك بعض أغنياء العالم (الخيرين) هؤلاء تتضح قاعدة المنفعة الحدية للمال، ليطغى توجه إنفاق الكثير منه، بل أغلبيته على الجمعيات الخيرية، من أجل رفع مستوى التنمية الحقيقية في مجتمعاتهم.
قد يقول قائل أن ما يدفع هؤلاء هو التهرب من دفع الضرائب! وقد يقول ثانٍ: أن ما يدفع هؤلاء يعود لرغبتهم في تسليط الأضواء عليهم، رياء وسمعة! كما قد يقول ثالث: أن تبرعات الأغنياء في تلك المجتمعات لجزء كبير من ثرواتهم هي وسيلة ذكية من أجل غاية ليست بريئة: جمع المزيد من المال وتراكم المزيد من الثروة، من خلال استثمارهم في مشاريع اجتماعية يزعمون أنها خيرية (غير ربحية) لكنها - في حقيقة الأمر- رأسمالية للنخاع!
كل ذلك النقد لسلوك أولئك الأغنياء للتبرع بجزء كبير من ثرواتهم لأعمال البر والخير في مجتمعاتهم وخارج مجتمعاتهم، قد يبدو صحيحا. لكن السؤال هنا: ما الذي يدفعهم لمثل ذلك السلوك، بينما خيارات أخرى متاحة يؤكدون من خلالها أن هناك، في حقيقة الأمر، منفعة حدية لحب المال وجمعه والاجتهاد في تراكمه؟
الملاحظ أنه: يغلب على هؤلاء أنهم رأسماليون محترفون يتمتعون بشفافية في إدارة أعمالهم.. ملتزمون بدفع الضرائب على دخولهم.. ناجحون في إدارة أصولهم.. يتمتعون بنفوذ كبير في مجتمعاتهم.. لهم مصالح متشعبة خارج حدود مجتمعاتهم.. يتمتعون بذكاء فطري وحظ مُلفت وإبداع خارق في التعامل مع الثروة والمال.
بعض هؤلاء الأثرياء شباب، في مقتبل العمر، إلا أن حبهم لعملهم وتمسكهم بميزتهم التنافسية في مجال تجارتهم وانضباطهم المهني والأخلاقي، يتجاوز إغراء تحقيقهم لأحلامهم الشخصية، التي ربما كانت تراودهم قبل تحقيقهم لثرائهم الفاحش، كأن يعيشون في قصور منيفة.. أو يركبون سيارات فارهة.. أو يمتلكون يخوتا فخمة، أو يرتدون ملابس تصممها لهم بيوت الأزياء العالمية.... تماما كما يفعل الكثير من الأغنياء في العالم، الذين جمعوا ثرواتهم من مصادر سهلة وغير نظيفة، كصفقات السلاح.. والإتجار في المخدرات.
مما يلفت النظر في إعلان صاحب ورئيس مجلس إدارة (فيس بوك) أنه اختار مولد ابنته الأولى ليعلن خبر تبرعه بكل ثروته، تقريبا، للجمعيات الخيرية، التي سيشرف عليها هو وزجته. سلوك يعكس مسؤولية أخلاقية تجاه أجيال قادمة في بيئة اجتماعية وسياسية تعيش فيها ابنته ومن هم من جيلها، حيث يتوفر التعليم الرقمي الجيد الذي يتفوق، كما قال: على مخرجات التعليم التقليدي الحالي، بأضعاف المراحل.. وحيث تتوفر الخدمة الصحية، التي تزول فيها الكثير من الأمراض وتتحسن وتشيع فيها الخدمة الصحية الكفؤ والفعالة. يحلم أن تعيش ابنته وجيلها في مجتمع تقل فيه الفوارق والصراعات الطبقية.. وتتقلص فيه مشكلة البطالة.. وتتطور فيه الإنتاجية، كما وكيفا.. وتُصان فيه البيئة، وتزدهر الحياة الفطرية.. ويتحسن فيه أداء النظام السياسي، وتصبح فيه منظمات المجتمع المدني أكثر كفاءة وأمضى فاعلية.
باختصار: يسعى هؤلاء الأثرياء إلى إيجاد عالم يسوده السلام.. وترتفع فيه إنتاجية الفرد، وتتعاظم فيه حقوقه وحرياته. عالم تنجح في تحقيقه ثروة الحاضر، ما فشلت فيه تحقيقه الدولة القومية الحديثة. إنه عالم ما بعد الديمقراطية، بقيمها البراقة وتطبيقاتها الملتوية.. والرأسمالية التقليدية، بتوحشها الأرعن، ولا إنسانيتها.. والعولمة، بتجاهلها لما يميز البشر بعضهم عن بعض، وتعسفها في صبغ العالم بلون واحد.