-A +A
أحلام محمد علاقي
شيء طبيعي بكل دول العالم أن ترى لوحة عليها حرف «إل» الأحمر للتعريف بسائق متدرب وسيارة تعليم قيادة. وهذا تحذير للسائقين الآخرين ليعطوا السائق المتدرب مساحة وصبرا لأنه جديد في «الكار».
ولكن الجديد هو أنني في خلال يومين، رأيت عدة سيارات في زحام جدة تحمل لوحة: «السائق تحت التمرين» أو «لطفا السائق ما زال يتعلم»!

ورؤيتي لهذه التحذيرات الملصقة على زجاج السيارات ولدت لدي مشاعر متناقضة. فأنا أحيي مالك أو مالكة السيارة لتفكيرهم الواقعي وتحذيرهم للآخرين من مخاطر سائقهم الجديد. وهذا يدل على الوعي والتفكير بسلامة الآخرين والذات. ولكنني أحزن جدا لهذا الوضع وأخاف من مخاطره.
فكيف تستقدم عائلة سائقا، من وراء البحار، لهدف محدد وهو القيادة، وبمهنة مسماها واضح وصريح: «سائق» فتفاجأ بأنه لا يجيد القيادة، بل وربما لم يقد سيارة في حياته!
فهنا تجد العائلة نفسها في ورطة كبيرة. فإعادة السائق لبلاده خسارة للجهد والمال والمراجعات اللانهائية لاستقدامه، والصبر عليه وتعليمه خسارة مادية ونفسية. ووسطاء الاستقدام يؤكدون بأنهم يتخيرون المؤهلين، أو يدربونهم، ولكن الثغرات موجودة كما يدعون! وواقعيا نرى أن الثغرات أو الرقع أصبحت أكبر من الثوب.
وبما أن أكثر العوائل لا تستغنى عن السائقين، خاصة لو كانت المرأة عاملة وهناك أطفال بالمدارس، وفي ظل غياب الرجل في بعض المنازل، أو حتى وجوده ولكن استحالة تفرغه للماراثون اللا إنساني (ولكن الضروري) من توصيل للمدارس ودوامات النساء وطلبات السوبر ماركت والصيدليات والمكتبات، ناهيك عن الخروج الترفيهي، فهنا يعتبر السائق مكسبا مهما كان جاهلا بعمله، فيجب الصبر والتضحية.
أعرف سيدة موظفة، استقدمت سائقا فاكتشفت بأنه لم يتعلم القيادة بحياته، وبعد شهور طويلة وكورسات متكررة وآلاف الريالات المهدرة، نجح بمعجزة. ولكن بعد تكرر حوادثه وتعاظم فواتير مخالفاته وتحطيمه لسيارتها قررت ترحيله لبلاده، واحتساب مصيبتها.
ولأن المرأة لا تستطيع مشاركة الرجل عبء القيادة، رغم مشاركتها له في المسؤوليات من إدارة وتخطيط وإنفاق أحيانا، أصبح السائق أهم تخصص في العمالة الأسرية بجدارة. فالكثير من النساء يقلن إنهن يستطعن الاستغناء عن الخادمة، بتنظيم أو تأجيل العمل المنزلي، ولكن الاستغناء عن السائق صعب! فالخروج حتى للصيدلية القريبة أو تلبية طلبات الأبناء أو كبار السن تصبح تعجيزية إذا ما رميت على كاهل رب أسرة واحد. وأين هو؟ أهو متفرغ للتوصيل؟ وماذا عن النساء أو العوائل التي لا يعيش معها رجل بالمنزل؟
طبعا يدرك السائقون هذه الحاجة «المستميتة» لهم فيتسلطنون على العوائل ويملون شروطهم، من زيادات في الرواتب والطلبات ويطنشون المواعيد ويغلقون جوالاتهم ويتغيبون. وحتى حينما يقطعون الإشارات الحمراء أو يحطمون السيارات الثمينة فلا حل إلا الدفع والتطنيش. وأعرف بعض الأسر التي من كثرة مخالفات سائقيها أصبح رب الأسرة نفسه مهددا بسحب رخصته لأن السيارات التي يقودها السائقون باسمه وكل مخالفاتهم تسجل عليه. والسائقون لا يتوقعون إلا تأنيبا خفيفا ودلالا وابتسامات عريضة ماذا وإلا «يرمون المفتاح»!
«ورمي المفتاح» بعيد عنكم أصبح في لغة النساء سواء كن موظفات أو لا «كرمي اليمين»، من مسببات الفوبيا والكوارث، ونقطة تحول تقلب الأسرة بكاملها رأسا على عقب وتبهذلهم وتشحططهم! فكيف ستذهب هي للدوام وأبناؤها للمدارس وكبار السن للمستشفيات؟ هل سيستأذن الرجل من عمله بكل مناسبة ليقوم بالتوصيل وتكييل الطرقات بالزحام، فيغضب مديره ويوقف عملية الإنتاج ويعطل عجلة الاقتصاد؟ طبعا لا، ولكن من سيدفع الثمن، المرأة والطفل والجد والجدة. إذن فلنصبر على «هبل» السائق والله المستعان.
وكثير من النساء (كمحسوبتكم) يجلسن بالسيارة ويقمن بإعطاء تعليمات متكررة للسائق حينما يقود برعونة أو جهل: «لا تسرع، ضع المؤشر، كنسل المؤشر، استخدم المرايا للانعطاف، إلخ» فالنساء عمليا هن القائدات والسائق مجرد ديكور.
لذا أصدقائي فذهني قد تفتق مؤخرا عن فكرة عبقرية أهنئ نفسي عليها وسأطالب ببراءة اختراع عليها بالصحف لئلا يلطشها مني أحد. فلم لا ننتج سيارات بعجلتي قيادة (كسيارات تعليم القيادة) ولكن إحداهما أمامية والأخرى خلفية، فتجلس المرأة كعادتها بمقعدها الخلفي كالملكة، وتتحكم من مكانها بالسيارة فتتدخل بضرب الفرامل مثلا حينما «يتنح السائق» وتتحكم بوظائف السيارة بالأزرار.
أؤكد لكم أصدقائي بأن هذا لو حدث، فستقل نسبة الحوادث والمخالفات، وستنساب الحركة بالشوارع، وتتحسن العلاقات بالبيوت وسيقل استخدام النساء لأدوية الضغط ومضادات الاكتئاب.