-A +A
حمود أبو طالب
ستظل شعيرة الأمر بالمعروف باقية ما بقي الإسلام، وما بقيت الأخلاق، وما بقيت الإنسانية عموما لأنها سلوك إنساني تختلف مفاهيمه وتطبيقاته من مجتمع لآخر، لكنها تتوحد في جوهر واحد وتلتقي عند هدف واحد، وفي المقابل سيستمر من لا يعي سمو ورقي هذه الشعيرة، ومن يبتسرها في إطار ضيق جدا ومفهوم بدائي جدا، والأسوأ من يوظفها لغايات وحسابات وأجندات لا علاقة لها بأخلاق أو دين، وإنما لفرض سطوته على خلق الله وتضييق ما وسعه الله وتحريم ما حلله أو تركه متاحا لفكره وظروفه ومعطيات حياته.
مساء السبت، وتزامنا مع افتتاح معرض الكتاب بمدينة جدة، انشغل تويتر بهاشتاق ساخن عنوانه «نعم يرضينا» وهي الجملة الجواب على سؤال لأحد المحتسبين الذي أصر على تدشين البرنامج الموازي للمعرض في كل دورة من دوراته بمدينة الرياض، وكان لابد أن ينتقل إلى جدة مع أول دورة لمعرضها. كان متوقعا ما حدث إذا عرفنا أنه قد سبق افتتاح المعرض حشد وتعبئة وتجهيز لكتائب المحتسبين رغم علمهم عن التنسيق الكامل بين إدارة المعرض والجهاز الرسمي الممثل بهيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، ورغم علمهم بأنه لم تسجل في كل التجمعات الثقافية السابقة حوادث تمس القيم والأخلاق، وأن الجميع يعرف أن كل ما يفعلونه ليس هدفه سوى التشويش وإحداث الفوضى لأن الكتاب والوعي والثقافة مفردات مخيفة لحراس الظلام.

هذه المرة كان الجمهور هو البطل عندما رد على سؤال المحتسب «هل يرضيكم» بجواب واضح وبصوت جماعي «نعم يرضينا»، ليقطع الطريق على المزايدات والوصاية والمصادرة. لم يحدث هذا في المرات السابقة التي يقتحم فيها المحتسبون العشوائيون فعاليات معرض الكتاب أو غيره من الفعاليات الثقافية، كانوا يعيثون فوضى وصخبا ويفعلون ما يشاؤون أمام عجز واضح لإدارة المعرض وشبه استسلام تام لما يفعلون، ولن ننسى فرض وجودهم في الفعاليات الثقافية لمعرض الرياض قبل عامين في صالة الفندق المخصصة لها، وبقاءهم إلى آخر لحظة لتبدأ فوضاهم العارمة بعد فقرات من المقاطعة للمتحدثين بشكل غير لائق، وكل هذا تحت سمع ونظر المشرفين على الفعاليات.
«نعم يرضينا» هي إعلان مجتمعي جماعي أنه مسؤول عن نفسه وخياراته وقراراته وأنه يعرف الحق من الباطل والخطأ من الصواب وأنه لم يعد يسمح بمعاملته كطفل عابث لا بد من وضعه تحت المراقبة الأخلاقية. قال أحد المغردين: لقد هرمنا من أجل هذه اللحظة، وكانت هذه العبارة أجمل من كل التغريدات، وستكون أجمل من كل ما يكتب عن الحادثة.