يتوهم الأبعدون بأننا شتات، ويعتقد الأقربون بأننا فتات، ونؤمن نحن - ورب السموات - بأننا أصلد من صخر، أعمق من بحر، نمشي على الماء إن أردنا، ننضح بالدهاء إن اكتربنا، لنا رايات عمرو بن كلثوم إن حاربنا، ولنا ملمس الثعابين إن سالمنا، لم تأت السعودية على الأرض كغلطة تاريخ، ولسنا أشجارا تقتلعها ريح.
كان جمال عبدالناصر أشرس من نبح علينا، ورفع رايات محاولات التمزيق، كان له بيننا ألف زير، ومذياع ناعق، وعبيد أوابق، ثم امتلأت عينه بتراب القبر، دون أن نفقد من وحدة وطننا شبرا، ثم تلاه من تلاه، كل نال سواد وجه اعتلاه، ولم يعد لسابقهم أو لاحقهم إلا زبد حناجرهم.
مر بنا الجوع تلدا بعد تلد، أكلنا الجيف والجلد، وجف الماعون، ثم اجتاحنا الجدري والطاعون، وتكاثرنا في القبور، وخلت الدور، توالت عجاف السنين، حتى صار الماء طينا، البين يتبع البين، ثم انقشعت الغمة، فتكاثر الأشتات حتى أصبحنا أمة.
مررنا بأزمات داخلية وتصدعات يذكرها التاريخ، فرح بها الأعداء، وعلقوا فوانيس الاحتفال بقرب سقوط الكيان، ثم أتى نور الحكمة شعاعا أحال فوانيسهم إلى الظلام مجددا، ولم يعد في يقيننا شعب توجس أو خوف من ملامح نزاعات سياسية داخلية، ولم يعد يربك منامنا اختلاف الرأي السياسي الداخلي.
أحاطت بنا نزاعات سياسية خارجية مع دول مجاورة، وامتد الغضب من ضجيج الإعلام إلى هدير الرصاص، لكننا كنا الأقدر على الحجة، الأكثر حكمة، والأقرب إلى السلم والحلم، فرغم قدرتنا على غسل الدم بالدم، وتكسير كل عظم، فأننا ندرك أن إكرام جيراننا دليل على إكرامنا لوطننا
تجاوزنا انقلابات عسكر الضباط الأحرار (1952)، وغيرها، ودفنا نوايا الغدر في صدورها، والمكائد في نحورها، ثم بنينا جيشا حديثا، وريث بعد وريث لحماية الوطن من كل واهم يظن أن لعسكرنا ثمنا، وأن للخيانة زمنا، وأن اندثارنا غدا أو بعد غد. فجيشنا كان في الكويت بشارة تحرير، وفي البحرين للأعداء نذير، ولنا حاليا في اليمن قسم سنبره، وبالتالي من يحمي أوطان الجيران لن يعجز عن حماية وطنه.
تعايشنا مع أنماط من التطرف الديني الناعم والمسلح، كان (جهيمان) وفريقه الأكثر عنفا، استحوذوا غدرا على الكعبة والمسجد الحرام، وكانوا لدماء المصلين سافكين، للطواف والصلاة مانعين، وبالتالي فكل إرهاب دون ذلك مجرد لعب بالنار، سواء كان منبته الشام أو قندهار.
ثم ماذا بعد؟ ماضون الى تحقيق أحلامنا، فنحن سادة أيامنا، حماة أوطاننا، حتى لو أحاط بنا طاعون التطرف والإرهاب، أو عواء الأغراب، فحجارة أرضنا لأفواه الكلاب النابحة، وأقدامنا على كل الأعناق الطامحة بزعزعة استقرارنا فكرا أو أرضا، لأننا لسنا غلطة تاريخ ولا أشجار تقتلعها ريح.