-A +A
عزيزة المانع
منذ عقدين على وجه التقريب، أخذت تسري في المدارس الأهلية موجة من التنافس في تعليم المواد العلمية والرياضية باللغة الإنجليزية، ثم قويت تلك الموجة واشتدت في بعضها، لتتحول المدارس إلى التدريس كاملا باللغة الإنجليزية، حتى صارت الإنجليزية هي لغة التعليم الأولى فيها، واكتفي ببضع ساعات في الأسبوع لتعليم اللغة العربية!!
قلب للأوضاع مؤلم ومهين، فأن تكون اللغة العربية، في موطنها وبين أهلها هي اللغة الثانية، وتتقدم عليها لغة أخرى تسرق منها مكان الصدارة، هذه إهانة للغة وأهلها!!

هذا التوجه الذي تتبناه نسبة كبيرة من المدارس الأهلية، يدعمه أن الأهل يرحبون به، بل يحثون عليه ويشجعونه، فهم يرون أن المدرسة التي تدرس برامج تعليمية منقولة برمتها من المناهج الأمريكية أو البريطانية، تتيح لأولادهم فرص تعليم أفضل، ويسهل عليهم مستقبلا مواصلة تعليمهم العالي في جامعات أمريكا وبريطانيا أو غيرها من الجامعات المشهورة.
وهذا الموقف من الأهل لا يمكن لومهم عليه، في ضوء ما يلمسونه من ضعف التعليم في المدارس العامة، فالأهل يعنيهم أن يتعلم أولادهم تعليما جيدا يضمن لهم سبل النجاح في حياتهم المستقبلية، أما مصلحة الأمة والحفاظ على لغتها فذلك ليس من شأنهم.
وفي الوقت نفسه يمكن القول إن المدارس الأهلية هي أيضا ليس من شأنها الحفاظ على لغة الأمة، فهي معنية بالحفاظ على مكاسبها المادية، واستقطاب أكبر عدد من الطلاب عن طريق إغراء تعليم البرامج الأجنبية.
تبقى مسؤولية الحفاظ على اللغة العربية واحترام كيانها، ملقاة بأكملها على وزارة التعليم.
حين يتحول التعليم في أغلبه إلى اللغة الإنجليزية، فإن ذلك يعني هجر اللغة العربية، وهجر اللغة لا يعني الانسحاب شيئا فشيئا من الهوية والثقافة العربية التي تعد اللغة أحد مقوماتها فحسب، وإنما يمتد تأثيره إلى أبعد من ذلك، فهذه الأجيال التي تنشأ ولغتها الأولى هي الإنجليزية، من المتوقع مستقبلا أن يكون معظم عطائها العلمي والثقافي باللغة الإنجليزية، فيغزر إصدار الأبحاث والدراسات والمؤلفات العلمية والأدبية باللغة الإنجليزية، وفي الوقت نفسه ينحسر الإصدار العلمي والثقافي باللغة العربية لعدم استعمالها، فتتوارى اللغة العربية شيئا فشيئا لتنزوي في الإطار الضيق الذي حشرت فيه بعيدا عن معايشة النمو اللغوي والتطور والمشاركة الفعالة في بناء المعرفة والحضارة الإنسانية.
إن أسوأ ما يثير التوجس هو أن نصل إلى حال تشبه حال الهند، فتصير اللغة الإنجليزية لدى أجيالنا المقبلة، هي لغة العلم والثقافة والمعرفة، وتتوارى العربية لتكون لغة العوام والجهال وأنصاف المتعلمين، وقد يتمادى ينا الأمر، فتصير لنا (انجليزيتنا) الخاصة، كما صار للهنود!