-A +A
محمد حسن أبوداود
كان لدينا صديق من عائلة سبعة نجوم أيام الدراسة في أمريكا. وأراد والده أن يساعده في أول حياته في الغربة فأرسل معه طباخا سودانيا محترفا وشف أو شيف كما يقولون درجة أولى. ويبدو أن الجو في سان فرانسيسكو لم يناسب الطباخ الشيف السوداني لصاحبنا وهو الآن سفير في أهم الدول، فمرض الشف وهو المكلف بالعناية بصاحبنا شر مرض. وبين ليلة وضحاها أصبح الشيخ ابن 18 عاما ممرضا ويعتني بالأستاذ. وطبعا ليزيد الطين بلة كان حبيبنا السوداني متعودا على أكل معين وهذا ابن العز لم يقم حتى بخدمة نفسه قط. فكانت أفضل تجربة يمر بها في حياته وربما صقلته فصنعت منه سفيرا. ولكنه بعدها عندما شفي الطباخ وضعه على أول طائرة وعاد كما كان في بيت والده. وعاش الطالب الثري كباقي الطلبة واعتنى بنفسه واستخدم الخدمات المتوفرة حوله ولكن كنا نتندر بالقصة إذا اجتمعنا وكنا خمسة وأصبح أحدنا رئيس أكبر الشركات والثاني سفيرا وتزوج أخت الأول والثالث وصل إلى رتبة نائب مسؤول عن أهم منطقة وتوفي رحمه الله وكذلك تزوج أخت الأول. والخامس أصبح المسؤول الأول للمنطقة المهمة.
ونعود إلى الموضوع الأهم وهو العناية بمقدم العناية. وهنا لا بد أن نقسم مراحل وصعوبة العناية إلى أربع مراحل وهي البسيطة وتكون محدودة بالزيارة القصيرة وتكون فقط عناية كلامية وتحية ودعوات بالشفاء والتأكد من توفر ما يحتاجه المريض، أما المرحلة الأعلى فهي أن تدخل في المرحلة الثانية وهي العناية بمريض لديه إعاقة جزئية وهذه أيضا بسيطة وممكنة ولا تحتاج إلا إلى الوقت إن توفر. المرحلة الثالثة وهي عالية المتطلبات وتدخل في مرحلة عدم تقرير المريض لمصيره، فهو لا يعرف تماما هل ينجو من المرض أم لا ينجو، وهل يدخل في مراحل علاجية خطيرة مثل العلاج الكيماوي، وما هي الخيارات المتاحة للمريض، وهل العلاج متوفر، وهل لديه الإمكانيات؟ ويريد المريض من المعتني إما المساعدة لتخطي تحد ما، أو -وهذا الأصعب- اتخاذ قرارات مصيرية مثل استعمال علاج خطير أو غير معروف النتائج أو له آثار جانبية معقدة. وهنا المريض يريد تحميل المسؤولية على المعتني.

ومن أصعب الحالات جهل المريض أو كبر سنه أو أي تعقيدات أخرى. وتتعقد الأمور إذا كانت الأحوال المالية للمريض سيئة وكذلك المعتني. حينها تكون الضغوط النفسية أكبر ولا يجد المعتني من يعتني به. وأخيرا وليس آخرا تجد أسوأ المراحل مراحل الموت والمعاناة والآلام ودخول المريض في مرحلة تعرف أنت وهو أنه ميت لا محالة. وهنا تنقسم التحديات إلى نوعين إما أن يكون المريض واعيا ويعاني بشكل مؤثر ومؤلم وحزين وكئيب إلا من رحم ربي وكان المريض مقتنعا ولديه رضى بالقضاء والقدر أو العكس تماما وهذه تحمل المعتني الكثير. فيلعب دور الطبيب النفسي. أضف أن المعتني يكلف بالعناية بأقرباء المريض حوله في نفس الوقت مثل الأطفال أو غيرهم.
وفي العالم الثالث لا يوجد من يقوم بهذه المهمة للمريض إلا المعتني. حتى عندما يكون في حالة نفسية سيئة فيعطى أدوية إما مخدرة أو مهدئة أو تدخله في دورات صاعدة وهابطة فتجده إما سعيدا يوما أو كئيبا حزينا في يوم آخر، والمعتني المسكين يصبح كذلك في نفس الدورة صعودا وهبوطا. ولاحظت أن المعتني يكبر في السن في فترة قصيرة حسب الحالات. ومعظم الحالات من النوع الرابع تطول فتصل إلى ثلاث سنوات أحيانا. ولا توجد أنظمة تدعم المعتني ولا جمعيات ولا كتب مبسطة. وأعتقد أنها متوفرة بأشكال مختلفة ولكن ليست سهلة المنال للمعتني. ويغفل المجتمع هذه القضية تماما. وأنا أعرف أن الأطباء وخاصة أطباء الأسر يعتنون بهذه الخدمة وتطورت إلى مراحل متقدمة. وهدفنا هنا التوعية بالمعاناة والحاجة إلى العناية بالمعتني أيضا.