تتعاظم يوما بعد يوم أبعاد الحملة الصهيوأمريكية الشرسة على المنطقة لتقطيع أوصالها، ولكم يبدو المنظر هزليا، أو قل سرياليا غرائبيا، حد عدم التصديق، إذا تأملنا ملامحه فيما يجري حولنا، وواحد من أهداف ما يحدث حولنا خلق هذه البلبلة بيننا. هل يمكن الاكتفاء بكلمة «العجز» لتبرير ما يحدث، ثم التجمد بعده والتفرج على تداعياته، في انتظار «جودو» الذي لا يحضر. هل صحيح، بداية، أن العرب عاجزون عن الحركة أم هي عدم الرغبة فيها أو عدم القدرة عليها، أو عدم التبصر بها؟ هل تهدد الهيمنة الأمريكية في المنطقة، كما يهدد الطغيان الإسرائيلي في فلسطين، بزرع ألف زرقاوي وبنلادني هنا وهناك لمكافحته، أم أنه يمكن مقاومته ودفعه بحسن بصيرة وحسن تعامل مع صيرورة الأمور وأثناء تشكل الأحداث، إن لم يكن لدفعها إيجابيا، فلتحييدها إذن، أو لتقليل خسائرها على أقل تقدير.
أضرب لكم مثلا ثم أعود إليه، جرى، خلال الأسابيع القليلة الماضية، لَي أعناقنا وجذب انتباهنا عنوة، إلى البرنامج النووي الإيراني، لإبعاد نظرنا قسرا عن البرنامج اليومي الإسرائيلي في قتل الفلسطينيين العزل، ولتمرير هذه المجزرة اليومية البشعة. جنّد كثير من الكتبة العرب أقلامهم للحديث عن الخطر الإيراني القادم، وعن القنبلة الإيرانية المقبلة، التي هي وحسب فروضهم في طور التكوين، وربما لعدد من السنين، فجادلوا بالباطل ليدحضوا به الحق، ولم يلتفتوا، للحظة، إلى برنامج التجويع اليومي للفلسطينيين، حتى نفد مخزونهم من القمح، لقمة الحياة الوحيدة التي بها يقتاتون. ما كنا نقوله عن الضمير العالمي وغفلته عما يحدث في فلسطين، تمثل لنا ضيفا غير كريم في ضمير كثير من العرب والمسلمين، فلم يعد يحفل بما يجري في فلسطين أحد منهم، مادام ينام مترعا ناقص الإيمان وجاره جائع.
لكن بعيدا عن حديث الضمير والأخلاقيات التي لم تشفع، فمن لم تجدِ معه الأخوة الإسلامية أو النخوة العربية، لن ينجح في إيقاظ ضميره أحد، بعيدا عن أحاديث العواطف وقريبا من أحاديث المصالح، هل فيما يحدث مصلحة لأحد، عربياً كان أم مسلما، أم هو تهديد مباشر له؟ فإن كان لا حس إسلامياً يدفعنا لنصرة إخواننا في الدين، ولا عروبة صادقة تحركنا لنجدتهم في محنتهم، ولا ضميراً، ولا مصالح تنتهك ويعتدى عليها تحثنا أو تحفزنا، فما الذي سيحركنا؟ هل مازلنا نظن أن نيوب الليث تبتسم حتى بعد أن أضحى «اللعب على المكشوف»، وصار الهدف النهائي أكثر من معروف؟ هل مازال فينا من يشك أن العراق وفلسطين أو أفغانستان ليسوا سوى البداية؟ لم هذا الموات وكأن الجرح فينا لا يؤلم، ولم هذا الهوان الذي سهل علينا؟ ولم نرضَ الدنية في ديننا أو حتى دنيانا؟ سيقول كثيرون وما مسؤوليتنا في ذلك؟ وأقول لهم مسؤليتنا عظيمة في كل ذلك، وإن طال صمتنا وسلبيتنا، فالوجود العربي والإسلامي ذاته مهدد بالزوال.
من هزلية المنظر أمامنا، أن روسيا، الشيوعية سابقا والمطيعة لواشنطن حاليا، أبى عليها ضميرها اللا ديني وأخلاقياتها غير الإسلامية أن ترى شعبا، لا تربطها به أدنى رابطة دين أو عرق أو نسب، يتضور جوعا وتقف ساكنة لا تتحرك، فسارعت بالتبرع له، بينما أخوة الدين والعرق مازالوا ينتظرون في غرائبية عجيبة. ولكم أن تتخيلوا، في سريالية أخرى، ذهاب وزير خارجية فلسطين، المنتخب شرعيا، إلى الجامعة العربية ليطالب بما أتفق عليه في الخرطوم، فيشترط عليه مندوبو الجامعة الدائمون، الاعتراف بالمبادرة العربية الذي قبل بها مع إخوانه، ورفضتها إسرائيل، يذهب الوزير طالبا العون والمؤازرة من أخوة الدين والدم واللسان والتاريخ والجغرافيا، ليكتشف أن الجامعة تماطله.
أعود لمثالي السابق، فبدلا من محاولة فهم حقيقة البرنامج النووي الإيراني، وأنه سلمي ومتاح لدول عدة كالبرازيل وكندا وغيرهما، إلا انه محرم هنا لأنه، قد يوجه ضد إسرائيل، بدلا من محاولة استغلال ما تعلنه إيران لتبني حركة عالمية لإخلاء المنطقة كلها من أسلحة الدمار الشامل، أو التعاون مع إيران لحفظ حقوق المنطقة، نتركها هكذا وحدها تواجه أمريكا، وتفرض بالتالي شروطها على المنطقة وعلى أمريكا ذاتها، والثمن، أو كما يقولون الصفقة، هي خروج مشرف لأمريكا من العراق. بدل أن يقف كل العرب والمسلمين ضد تجويع الفلسطينيين، وهو قرار شعبي بيدنا نحن اتخاذه، وبدلا من إعلان أكثر من حملة شعبية لأمة المليار ونصف المليار مسلم، لجمع تبرعات شراء قمح للفلسطينيين في يوم سغبهم، بدل أن نبدأ حملات المقاطعة لكل ماهو صهيوأمريكي، وهو قرار شعبي آخر بيدنا اتخاذه، وكنا للتو جربنا فعاليته مع دولة أخرى، وهو أقل الجهد وأضعف الإيمان. بدلا من كل هذا، ندعي العجز عما هو متاح لنا، وما هو ممكن وبين أيدينا لنجدة إخواننا وأنفسنا من ربقة الهيمنة والإرتهان. سنلوم الجامعة العربية ومندوبيها الدائمين وغير الدائمين، سنلوم الظروف، وسنلوم الحداد الذي لم يصنع لنا السيوف، سنلوم كل العالم إلا أنفسنا وعجزنا، ألا شاهت الوجوه.
أضرب لكم مثلا ثم أعود إليه، جرى، خلال الأسابيع القليلة الماضية، لَي أعناقنا وجذب انتباهنا عنوة، إلى البرنامج النووي الإيراني، لإبعاد نظرنا قسرا عن البرنامج اليومي الإسرائيلي في قتل الفلسطينيين العزل، ولتمرير هذه المجزرة اليومية البشعة. جنّد كثير من الكتبة العرب أقلامهم للحديث عن الخطر الإيراني القادم، وعن القنبلة الإيرانية المقبلة، التي هي وحسب فروضهم في طور التكوين، وربما لعدد من السنين، فجادلوا بالباطل ليدحضوا به الحق، ولم يلتفتوا، للحظة، إلى برنامج التجويع اليومي للفلسطينيين، حتى نفد مخزونهم من القمح، لقمة الحياة الوحيدة التي بها يقتاتون. ما كنا نقوله عن الضمير العالمي وغفلته عما يحدث في فلسطين، تمثل لنا ضيفا غير كريم في ضمير كثير من العرب والمسلمين، فلم يعد يحفل بما يجري في فلسطين أحد منهم، مادام ينام مترعا ناقص الإيمان وجاره جائع.
لكن بعيدا عن حديث الضمير والأخلاقيات التي لم تشفع، فمن لم تجدِ معه الأخوة الإسلامية أو النخوة العربية، لن ينجح في إيقاظ ضميره أحد، بعيدا عن أحاديث العواطف وقريبا من أحاديث المصالح، هل فيما يحدث مصلحة لأحد، عربياً كان أم مسلما، أم هو تهديد مباشر له؟ فإن كان لا حس إسلامياً يدفعنا لنصرة إخواننا في الدين، ولا عروبة صادقة تحركنا لنجدتهم في محنتهم، ولا ضميراً، ولا مصالح تنتهك ويعتدى عليها تحثنا أو تحفزنا، فما الذي سيحركنا؟ هل مازلنا نظن أن نيوب الليث تبتسم حتى بعد أن أضحى «اللعب على المكشوف»، وصار الهدف النهائي أكثر من معروف؟ هل مازال فينا من يشك أن العراق وفلسطين أو أفغانستان ليسوا سوى البداية؟ لم هذا الموات وكأن الجرح فينا لا يؤلم، ولم هذا الهوان الذي سهل علينا؟ ولم نرضَ الدنية في ديننا أو حتى دنيانا؟ سيقول كثيرون وما مسؤوليتنا في ذلك؟ وأقول لهم مسؤليتنا عظيمة في كل ذلك، وإن طال صمتنا وسلبيتنا، فالوجود العربي والإسلامي ذاته مهدد بالزوال.
من هزلية المنظر أمامنا، أن روسيا، الشيوعية سابقا والمطيعة لواشنطن حاليا، أبى عليها ضميرها اللا ديني وأخلاقياتها غير الإسلامية أن ترى شعبا، لا تربطها به أدنى رابطة دين أو عرق أو نسب، يتضور جوعا وتقف ساكنة لا تتحرك، فسارعت بالتبرع له، بينما أخوة الدين والعرق مازالوا ينتظرون في غرائبية عجيبة. ولكم أن تتخيلوا، في سريالية أخرى، ذهاب وزير خارجية فلسطين، المنتخب شرعيا، إلى الجامعة العربية ليطالب بما أتفق عليه في الخرطوم، فيشترط عليه مندوبو الجامعة الدائمون، الاعتراف بالمبادرة العربية الذي قبل بها مع إخوانه، ورفضتها إسرائيل، يذهب الوزير طالبا العون والمؤازرة من أخوة الدين والدم واللسان والتاريخ والجغرافيا، ليكتشف أن الجامعة تماطله.
أعود لمثالي السابق، فبدلا من محاولة فهم حقيقة البرنامج النووي الإيراني، وأنه سلمي ومتاح لدول عدة كالبرازيل وكندا وغيرهما، إلا انه محرم هنا لأنه، قد يوجه ضد إسرائيل، بدلا من محاولة استغلال ما تعلنه إيران لتبني حركة عالمية لإخلاء المنطقة كلها من أسلحة الدمار الشامل، أو التعاون مع إيران لحفظ حقوق المنطقة، نتركها هكذا وحدها تواجه أمريكا، وتفرض بالتالي شروطها على المنطقة وعلى أمريكا ذاتها، والثمن، أو كما يقولون الصفقة، هي خروج مشرف لأمريكا من العراق. بدل أن يقف كل العرب والمسلمين ضد تجويع الفلسطينيين، وهو قرار شعبي بيدنا نحن اتخاذه، وبدلا من إعلان أكثر من حملة شعبية لأمة المليار ونصف المليار مسلم، لجمع تبرعات شراء قمح للفلسطينيين في يوم سغبهم، بدل أن نبدأ حملات المقاطعة لكل ماهو صهيوأمريكي، وهو قرار شعبي آخر بيدنا اتخاذه، وكنا للتو جربنا فعاليته مع دولة أخرى، وهو أقل الجهد وأضعف الإيمان. بدلا من كل هذا، ندعي العجز عما هو متاح لنا، وما هو ممكن وبين أيدينا لنجدة إخواننا وأنفسنا من ربقة الهيمنة والإرتهان. سنلوم الجامعة العربية ومندوبيها الدائمين وغير الدائمين، سنلوم الظروف، وسنلوم الحداد الذي لم يصنع لنا السيوف، سنلوم كل العالم إلا أنفسنا وعجزنا، ألا شاهت الوجوه.