من سنن الله في الحياة الدنيا، سنة النمو، وأيضا سنن التغير والتطور والتقدم أو «التأخر» (لمن شاء منكم أن يتقدم أو يتأخر) فلا يوجد حال في الدنيا ثابت بشكل سرمدي، وعندما يصبح أي حال ثابتا لا يتغير فهذا معناه أن هناك علة ما أوقفت صيرورته الطبيعية كما هو الحال عندما يصبح طول الطفل ثابتا لا يتغير، فهذا معناه أنه يعاني من علة تدل على خلل في جيناته، وبالمثل هو حال الشعوب والأمم بل وحتى الشركات، فالشركات التي بقيت ثابتة على الأحوال التي كانت صالحة في فترة ما معتقدة أن هذا يمنحها ميزة ويجعلها تحافظ على زبائنها التقليديين تفاجأت أنه حتى زبائنها تغيروا وتكيفوا مع سنن التغير والتطور، فأفلست وزالت، ومعضلة التيارات السائدة في العالم الإسلامي هو عدم استيعابها لهذة العبر والسنن، ولهذا مشاريعها الحاضرة للمستقبل هي التقهقر والتأخر وعدم التغير والتطور عن ما كان في الماضي، وهذا سبب اصطدامها ليس فقط بالغرب إنما أيضا بالشعوب المسلمة المحافظة على دينها لكنها متكيفة مع سنن الله الربانية بالتغير والتقدم والتطور، ولا ترى أن إرجاع الشعوب المسلمة لعصور ما قبل ثورة التكنلوجيا وحرية الاتصالات والموصلات والمعلومات والثقافة الحقوقية المتطورة هي السبيل للنهضة واستعادة الأمجاد والعزة وما شابه من هذه الشعارات الطوباوية التي ترفعها تلك التيارات التي تريد وضع الشعوب المسلمة في قالب حجري يمنع نموها وتطورها الطبيعي الحضاري، لتبقى في حال القزمة التي هي فيه الآن، حيث لا إنتاج صناعيا ولا تكنلوجيا ولا علميا ولا حضاريا لها، لكن كما يقال بقاء الحال من المحال، وآلام التحجر وعدم النمو والتطور هي أكثر بكثير من آلام النمو والتطور مهما كانت، فعلى الأقل آلام النمو هي بالنهاية خلاقة ومثمرة، بينما آلام الجمود والتحجر وعدم النمو والتطور هي آلام عقيمة وعدمية، ولا عزاء فيها إلا لثلة قليلة من الذين يتكسبون من بنية هذه التيارات العقيمة والذين يستغلون ميل الناس لتفضيل البقاء على المألوف والمعتاد وانقباضهم من الجديد، ليوهموا الناس أنهم يعملون لصالحهم بما أنهم يتجاوبون مع ميولهم غير الواعية، وهذا هو الفارق بين الديماغوجي الذي لا يقدم رؤية مستقبلية خلاقة إنما فقط يهيج مشاعر التعصب والعدوانية والخوف لديهم باستغلال الأدبيات التقليدية، لكي يركب على موجتها، ويصفي عبرها منافسيه في مصالحه الأنانية، بينما الملهم يقدم رؤية مستقبلية خلاقة، إيجابية، تجديدية، بناءة، فكرية، عملية، وبالتأكيد سلمية.