-A +A
خالد عباس طاشكندي
كشفت قضية تنفيذ حد الحرابة بحق المدان بالإرهاب "نمر النمر" مؤخرا، أن الحكومة الأمريكية في عهد الرئيس أوباما أخذت مسارا جديداً يباعد في العلاقة الاستراتيجية والتاريخية بين الولايات المتحدة والمملكة من خلال التقارب الأمريكي مع إيران، فمنذ اتفاق جنيف الابتدائي الخاص بالبرنامج النووي الإيراني في نوفمبر 2013، اتضح جلياً أن السياسة الأمريكية تجاه إيران اختلفت جذرياً، وبعد تطبيق المملكة للأحكام الشرعية بحق 47 من الفئة الضالة لإدانتهم قضائيا بالضلوع في جرائم إرهابية ومن بينهم "النمر"، ظهرت نغمة أمريكية جديدة عبرت فيها عن قلقها من تداعيات تنفيذ حكم إعدام نمر النمر لأنه "شيعي" المذهب، واعتبرت أن هذا الحكم يزيد من التوتر الطائفي.
وفي المقابل لم تكن هناك ردود أفعال أمريكية قوية من قيام إيران بإعدام أكثر من 800 شخص خلال 10 أشهر فقط من العام الماضي في الفترة ما بين يناير حتى أكتوبر 2015، وغالبيتهم من المعارضين السياسيين، ومن بينهم الناشط الكردي إحسان فتاحيان، بالإضافة إلى مصادقة المحكمة العليا في طهران مؤخراً على إعدام 27 من العلماء والدعاة السنة.

وبدلاً من التركيز على إدانة الاعتداءات الإيرانية المشينة على السفارة السعودية في طهران والقنصلية في مشهد، تعرضت المملكة لحملة إعلامية شرسة في كبرى الصحف الأمريكية، من بينها وول ستريت جورنال والواشنطن بوست ونيويورك تايمز وغيرها، حيث نشرت مجلة "ذي ويكلي ستناندرد" الثلاثاء الماضي مقالا للكاتب لي سميث أشار فيه إلى أن كثيرا من وسائل الإعلام الأمريكية تناغمت مع تصريحات البيت الأبيض التي ترى بأن المملكة تسببت في استفزاز غير ضروري لإيران.
وهذه الطروحات تعكس حالة "الانحياز" الكبير في دوائر القرار الأمريكي باتجاه إيران، وذلك لأسباب على الأرجح أنها متعلقة برغبة الرئيس أوباما في تكليل فترته الثانية بتحقيق إنجاز يحسب له على صعيد الحد من التسلح الإيراني والوصول إلى اتفاق نهائي حول برنامجها النووي، على غرار ما فعله الرئيس الأمريكي الراحل رونالد ريغان مع الاتحاد السوفييتي، وذلك بحسب ما ألمحت إليه صحيفة وول ستريت جورنال في تقرير صحفي نشرته مطلع يناير الجاري، خاصة أن الرئيس أوباما في نظر العديد من النقاد والمراقبين فشل في تحقيق إنجازات ملموسة على صعيد العديد من الملفات الداخلية والخارجية التي راهن في فترات سابقة على إنجازها، ومنها برنامج الرعاية الصحية "أوباما كير" الذي يوشك على التوقف والفشل التام بعد أكثر من سبع سنوات من الرهان عليه، أما على صعيد السياسة الخارجية فالفشل يحاصر سياساته من كل حدب وصوب، خاصة في الشرق الأوسط، ابتداء من سحب قواته في العراق عام 2011، فالنتيجة لم تنته عند عدم استقرار العراق بل أفضت إلى قيام تنظيم إرهابي بحجم دولة، وهو "داعش"، بالإضافة إلى فشله في ملف القضية الفلسطينية، والقضية السورية، وفشله في إغلاق معتقل غوانتنامو بالرغم من الوعود التي أطلقها منذ ترشحه للرئاسة.
والحقيقة أن سياسات الولايات المتحدة هي التي استفزت العالم على مدى عقود طويلة عبر محاربة الدول واضطهاد الشعوب، وتوظيف الماكنة الإعلامية الأمريكية الضخمة لتشويه صورة من لا ترى مصلحتها معه، وهي من مارست الاستفزاز بلعبها دور الخصم والحكم، وفرض هيمنتها على العالم، بل تعتبر من أباطرة الاستفزاز، فهي الوحيدة في هذا الكون التي سمحت لنفسها إلقاء قنابل نووية على هيروشيما ونجازاكي، وهي من قالت لن ننتظر موافقة الأمم المتحدة للقيام بالحرب ضد العراق، وتتحدث عن التوتر الطائفي وهي من كرس لهذا المفهوم في العالم العربي، بإصدارها قانون اجتثاث البعث في 2003 إبان عهد الحاكم "بريمر" والذي تسبب في طرد السنة من الوظائف الحكومية وجاء لصالح الأحزاب الشيعية فتسبب في الصراع الطائفي القائم إلى يومنا هذا، والقائمة تطول.
وخلاصة القول.. من الواضح أن طموحات الرئيس أوباما الحالية تميل نحو محاولة تعزيز العلاقات والتطبيع مع إيران والانحياز لهذا النظام الثيوقراطي - الفاشي، ولا بأس فهناك من سبقه من رؤساء أمريكا في ارتكاب أخطاء تاريخية أشنع وأبشع، وليس أمامنا سوى إعادة رسم سياساتنا الخارجية في التعامل مع شركاؤنا الاستراتيجيين عبر بناء توازنات جديدة لمواجهة هذه التقلبات العجيبة.