-A +A
مي خالد
ماذا أفعل بنفسي؟ هكذا يعبر «ابن شقيقتي» عن مشاعره المحيرة المتضاربة بلغة عربية رصينة اقتبسها من المسلسل الكرتوني الروسي «ماشا والدب». هؤلاء الصغار بأطرافهم الصغيرة الرقيقة المتوردة وكركراتهم التي تبهج البيوت وتنثر الفرح مع خطواتهم العابثة. هم مخلوقات سعيدة حسب خريطة هرمون السعادة. هذا حال الأطفال في كل العالم إلا أولئك الذين شاءت إرادة الله أن يخلقهم في جغرافيا الحرب والمجاعة. تطالعني وجوههم الصغيرة المتضورة جوعا عبر اليوتيوب يتحدثون اللغة العربية بطلاقة بقدرات خطابية عالية ليس لأنهم يدمنون على مشاهدة أفلام الكرتون، بل لأنهم يقضون أيامهم مع الكبار حاملي البنادق والشعارات الرنانة. لا يذهبون لمدارسهم؛ لأنها تحولت لمخيمات لجوء أو دمرها جنرالات الحرب بالقنابل والبراميل والعبوات الناسفة. عيونهم الجميلة تراها دامعة حتى لو ابتسموا. أما هرمون السعادة فقد توقف عن الإفراز وحل مكانه هرمون الخوف.
يرفعون أيديهم بذعر المذنبين وليس ببراءة الصغار أمام كاميرات الصحفيين وقد ظنوها بنادق. الطفل الذي يخاف من إبرة الطبيب يجد نفسه في مواجهة بندقية!
لا غذاء، فالمدينة محاصرة والرجال الأشداء يوزعون المعلبات والحليب ببطاقات تموينية لا يحملها الصغار؛ لذا ابتكر أحد أطفال سوريا طريقة لتزوير بطاقة تموين فقص قطعة من الكرتون وألصق عليها صورته ووقف في طابور الكبار. هكذا يحتال الصغار الجياع على الكبار الذين أدخلوهم في حرب لأسباب غامضة حتى لو شرحتها لهم ألف مرة فلن يفهموها. ولن يفهموا حين يصابون بالأوبئة والأمراض المعدية لماذا لم يحصلوا على تطعيماتهم ضد الشلل والجدري والسعال الديكي، ولماذا لا يجدون رعاية صحية ليس حين تتساقط أسنانهم اللبنية بل حتى حين تقطع الحرب أحد أطرافهم.
أتذكر الفيديو الذي ظهر فيه طبيب يعالج يد طفل يمني قال له الصغير بلهجته اليمنية «ماتقبروناش» أي لا تقبرونا. هذا الطفل أصيب في تعز تحت القصف الحوثي..
ماذا يفعلون بأنفسهم وهم بسبب الحرب كأنهم يعيشون في المقابر بين الجثامين الطافحة والبيوت المدمرة والأشلاء المبتورة والدم الطازج تحت الأنقاض والأحزان الهائلة والهزائم الإنسانية التي تتضاعف كلما تقدمت الحرب.. ماذا يفعلون بأنفسهم؟ أخبريهم يا «ماشا» فنحن لا نعرف الجواب.

May_khaled@hotmail.com