بعض هذه المواقف تستدعيها الذاكرة لاشتباكها المباشر مع الحياة.. تعمل الذاكرة كشاهد حي وفوري.. هذه الواقعة أحببت أن أخرجها لكم من نطاق التفاعل اللحظي لحريق فندق ((العنوان)) في ((دبي)) إلى النطاق النصي.. هذا النطاق الذي يبقى ويستمر أثره والعبرة منه عمراً أطول.. اعتدت كلما آتي إلى ((دبي)) أن أذهب إلى ((دبي مول)) لأشاهد المحلات التي أصبحت تتفنن في كل ما يُجذب السائحين ولأعود أكبر مكتبة ثرية تتناثر بثبات فوق أرففها جميع كتبي المفضلة ممزوجة بأسماء كتابي المميزين العرب والأجانب. مر علي أكثر من ساعة ونصف وأنا أهيم بين أروقة المكتبة وانتهت الجولة بمجموعة لا بأس بها من الكتب قررت أن أقتني بعضها وأن أهدي البعض الآخر للحبيب ((نجيب يماني)) أشعر في كل مرة أزور فيها هذه المكتبة أنني جئت بكنز ثمين من مغارة علي بابا.. فجأة انتشر في أجهزة الإعلان بالسوق وبشكل احترافي ومطمئن إشارة إلى ضرورة إخلاء السوق كانت الرسالة تبث بلغات عدة وبوضوح كانت ألسِنة النار والدخان المتصاعدة من فندق ((العنوان)) المجاور توضح سبب الإخلاء..
قرأت بضع آيات من القرآن وبعضا من الأذكار.. لم أخف يوماً من شيء غير خوفي أن أموت محترقا ولهذا الخوف سبب وقصة سأسردها عليكم في نهاية المقال.. انتشر رجال منظمون ونساء منظمات في أنحاء السوق يرشدون المتسوقين في هدوء يشوبه بعض التحفظ والحذر كانت خطة إخلاء بديعة متقنة.. ما هذا الجمال والروعة في التنظيم.. شاهدت لوحات احترافية في فن إدارة الكوارث والإخلاء علم درسته وأعرف تفاصيله واستطيع تقييمه..
رغم ذلك انتابتني رجفة لكني تماسكت وقفت صامتا في هلع اقترب مني حارس أجنبي أمسك بي ضغط على يدي ضغطة الحارس العطوف تبعته مثل طفل في رحلة نفذت ذلك بارتباك.. كانت السيقان والأرجل تجدف في السير.. بلعت ريقي وأنا أشم رائحة الدخان لهذه الرائحة ذكرى دفينة قديمة.. يصير للنار رائحة وصوت عندما ترتفع ألسنتها.. البشر يتسابقون بانتظام باتجاه منافذ السوق.. رعشة تصيب جسدي وأنا اتطلع للنار لكنني أوصل المشوار بسرعة السحب السوداء الباكية وقطرات النار الحمراء الحارقة والبشر يفرون ويهرولون تصور نفسك في طائرة نفد وقودها وتكاد تنفجر وأنت واحد من ركابها.. فجأة وجدنا أنفسنا في الشارع خارج السوق جموع لم أكن أتخيل أبداً أنه كان يمكن إخلاؤها في ذلك الوقت القياسي..
أجمل محطات الدنيا كانت لي عندما مست قدمي أرض الشارع خارج السوق شعرت بأنني في مكان مختلف يهبني مودة.. لسعة برد استقبلتني في الخارج حطت على قلبي.. كانت تجربة عذبة وقاسية.. تشابكت تلك اللحظات الصافية مع لحظات باكية قديمة مرت بخاطري تشاركت السعادة بما رأيته في ((دبي)) وذكريات شريط طويل مر بخاطري وأنا أشارك البشر عملية الإخلاء الثرية.. كل الصور القديمة انهمرت في لحظة واحدة أذكر كل تفاصيل تلك اللحظة.. أذكر كل أوجاعها عاد بذهني ما حدث لي في ((القاهرة))، حيث اعتدت الإقامة في ذلك الحين في فندق ((شرتون هيلويو بلس)) ما أن استقليت الطائرة المتجهة للقاهرة بعد تأخر طويل كان في جدة حتى وجدت صدفة البرفيسور ياسر عبدالحميد الخطيب على متنها كأنني كنت أبحث عنه العمر كله، فنحن لم نلتق منذو زمن طويل صخب الحياة فرق بيننا.. الطيف الذي لاحقته وجدته على هذه الرحلة.. سألني أين سأسكن أجبته أين سأكون أصر على أن أسكن في فندق قريب منه حتى يتكرر ويسهل لقاؤنا وعدته خيراً وعندما وصلنا استأذنته أنه من الضروري أن اذهب إلى ((فندق الشرتون هيلويو بلس)) لإلغاء ترتيبات إقامتي وأن لدي اجتماعا مهما هناك انتهى منه حسب ما كان مجدولا ومن ثم انتقل للفندق الذي يرغب مني الانتقال إليه.. وصلت الفندق متأخرا عن موعدي بنحو خمس ساعات مدة التأخير في مطار جدة.. ما أن وصلت الفندق حتى وجدت المبنى يغوص في اللهب والدخان.. أناس يتساقطون على أرض الشارع الخشنة.. فتاة صغيرة بشعر أسود ناعم ينسدل على كتفها تتهاوى في الفضاء يقذف بها أبوها لينقذها من الجحيم.. القاطنون في الأدوار العلوية يستخدمون أغطية السرير للنزول بها من علو.. أجساد أرواحها تفر منها مشهد ثقيل وفوضى عارمة.. كنت أقف منتصباً أمام الفندق أشاهد المنظر وأتمتم بأدعية لا أعرف من أين أتيت بها في ذلك الوقت كنت أسمعها من والدتي ساجدة لربها.. أحسست بكل الحياة على صدري وأنا أقف أمام الفندق..
الحياة مهما كانت صعبة وقاسية لكنها حياة.. شعرت بكثير من الفرحة.. بكثير من الرهبة.. بكثير من الخوف.. الخوف الذي يحيطك ويلفك ويُحيل روحك ونفسك ويخطفك لطبقات من الظلام والموحشات فلا تبصر وترتعد.. نعم ترتعد.. كنت أتخيل كيف سأكون جثة متفحمة تضاف لسجل الجثث التي عجز نظام السلامة المتواضع من إنقاذها.. كنت سأتحول إلى اسم ثلاثي في شهادة الوفاة لولا رحمة الله أن تتأخر الطائرة في مطار جدة وأن أقابل البروفيسور ياسر عبدالحميد الخطيب كملاك من مصير محتوم.. اليوم كل العمر يجري خلف ظهري..
العمر كله مر.. عاصرت بعد تلك الحادثة أفراح وأوجاع ولكني لا أخفيكم سراً كل ما عشته في حياتي كوم ومشهد ((شرتون هيلويو بلس)) يحترق كوم آخر.. وسبحان البارئ الذي لخص الحياة في مشاهد.. مشهد يمنحك الفرح، وآخر يمنحك الحزن.. مشهد يجعلك أفضل وآخر يتركك أسواء فلنبحث دائماً عن ذلك المشهد الجميل الذي يترك أثرا بروحنا عله يضيء ما تبقى لنا من الطريق..
قرأت بضع آيات من القرآن وبعضا من الأذكار.. لم أخف يوماً من شيء غير خوفي أن أموت محترقا ولهذا الخوف سبب وقصة سأسردها عليكم في نهاية المقال.. انتشر رجال منظمون ونساء منظمات في أنحاء السوق يرشدون المتسوقين في هدوء يشوبه بعض التحفظ والحذر كانت خطة إخلاء بديعة متقنة.. ما هذا الجمال والروعة في التنظيم.. شاهدت لوحات احترافية في فن إدارة الكوارث والإخلاء علم درسته وأعرف تفاصيله واستطيع تقييمه..
رغم ذلك انتابتني رجفة لكني تماسكت وقفت صامتا في هلع اقترب مني حارس أجنبي أمسك بي ضغط على يدي ضغطة الحارس العطوف تبعته مثل طفل في رحلة نفذت ذلك بارتباك.. كانت السيقان والأرجل تجدف في السير.. بلعت ريقي وأنا أشم رائحة الدخان لهذه الرائحة ذكرى دفينة قديمة.. يصير للنار رائحة وصوت عندما ترتفع ألسنتها.. البشر يتسابقون بانتظام باتجاه منافذ السوق.. رعشة تصيب جسدي وأنا اتطلع للنار لكنني أوصل المشوار بسرعة السحب السوداء الباكية وقطرات النار الحمراء الحارقة والبشر يفرون ويهرولون تصور نفسك في طائرة نفد وقودها وتكاد تنفجر وأنت واحد من ركابها.. فجأة وجدنا أنفسنا في الشارع خارج السوق جموع لم أكن أتخيل أبداً أنه كان يمكن إخلاؤها في ذلك الوقت القياسي..
أجمل محطات الدنيا كانت لي عندما مست قدمي أرض الشارع خارج السوق شعرت بأنني في مكان مختلف يهبني مودة.. لسعة برد استقبلتني في الخارج حطت على قلبي.. كانت تجربة عذبة وقاسية.. تشابكت تلك اللحظات الصافية مع لحظات باكية قديمة مرت بخاطري تشاركت السعادة بما رأيته في ((دبي)) وذكريات شريط طويل مر بخاطري وأنا أشارك البشر عملية الإخلاء الثرية.. كل الصور القديمة انهمرت في لحظة واحدة أذكر كل تفاصيل تلك اللحظة.. أذكر كل أوجاعها عاد بذهني ما حدث لي في ((القاهرة))، حيث اعتدت الإقامة في ذلك الحين في فندق ((شرتون هيلويو بلس)) ما أن استقليت الطائرة المتجهة للقاهرة بعد تأخر طويل كان في جدة حتى وجدت صدفة البرفيسور ياسر عبدالحميد الخطيب على متنها كأنني كنت أبحث عنه العمر كله، فنحن لم نلتق منذو زمن طويل صخب الحياة فرق بيننا.. الطيف الذي لاحقته وجدته على هذه الرحلة.. سألني أين سأسكن أجبته أين سأكون أصر على أن أسكن في فندق قريب منه حتى يتكرر ويسهل لقاؤنا وعدته خيراً وعندما وصلنا استأذنته أنه من الضروري أن اذهب إلى ((فندق الشرتون هيلويو بلس)) لإلغاء ترتيبات إقامتي وأن لدي اجتماعا مهما هناك انتهى منه حسب ما كان مجدولا ومن ثم انتقل للفندق الذي يرغب مني الانتقال إليه.. وصلت الفندق متأخرا عن موعدي بنحو خمس ساعات مدة التأخير في مطار جدة.. ما أن وصلت الفندق حتى وجدت المبنى يغوص في اللهب والدخان.. أناس يتساقطون على أرض الشارع الخشنة.. فتاة صغيرة بشعر أسود ناعم ينسدل على كتفها تتهاوى في الفضاء يقذف بها أبوها لينقذها من الجحيم.. القاطنون في الأدوار العلوية يستخدمون أغطية السرير للنزول بها من علو.. أجساد أرواحها تفر منها مشهد ثقيل وفوضى عارمة.. كنت أقف منتصباً أمام الفندق أشاهد المنظر وأتمتم بأدعية لا أعرف من أين أتيت بها في ذلك الوقت كنت أسمعها من والدتي ساجدة لربها.. أحسست بكل الحياة على صدري وأنا أقف أمام الفندق..
الحياة مهما كانت صعبة وقاسية لكنها حياة.. شعرت بكثير من الفرحة.. بكثير من الرهبة.. بكثير من الخوف.. الخوف الذي يحيطك ويلفك ويُحيل روحك ونفسك ويخطفك لطبقات من الظلام والموحشات فلا تبصر وترتعد.. نعم ترتعد.. كنت أتخيل كيف سأكون جثة متفحمة تضاف لسجل الجثث التي عجز نظام السلامة المتواضع من إنقاذها.. كنت سأتحول إلى اسم ثلاثي في شهادة الوفاة لولا رحمة الله أن تتأخر الطائرة في مطار جدة وأن أقابل البروفيسور ياسر عبدالحميد الخطيب كملاك من مصير محتوم.. اليوم كل العمر يجري خلف ظهري..
العمر كله مر.. عاصرت بعد تلك الحادثة أفراح وأوجاع ولكني لا أخفيكم سراً كل ما عشته في حياتي كوم ومشهد ((شرتون هيلويو بلس)) يحترق كوم آخر.. وسبحان البارئ الذي لخص الحياة في مشاهد.. مشهد يمنحك الفرح، وآخر يمنحك الحزن.. مشهد يجعلك أفضل وآخر يتركك أسواء فلنبحث دائماً عن ذلك المشهد الجميل الذي يترك أثرا بروحنا عله يضيء ما تبقى لنا من الطريق..