-A +A
أن تشاهد الحيتان أو الأسماك نافقة أفرادا وجماعات على سواحل البحار والمحيطات فهذه من الأخبار التي ألفنا سماعها، ولكن أن يحصل الانتحار الجماعي لبعض الكائنات الحية في أعالي الجبال السعودية التي ترتفع آلاف الأمتار عن سطح البحر فهذا الأمر الذي لم يخطر على بال الكثيرين، ولم يأخذ حقه من البحث العلمي. هذا هو بالضبط الوضع الحالي لأشجار العرعر في قمم جبال الباحة وعسير التي تعد ثروة وطنية غير قابلة للتجدد.
أثناء زيارتي وتجوالي مؤخرا في العديد من قرى منطقة الباحة التي تزخر بأشجار العرعر التي ظلت شامخة منذ آلاف السنين، شاهدت ورصدت الآلاف منها ميتة في وضع الوقوف وما تبقى فهو في حالة الاحتضار، وانتظار الموت المحقق إن لم تتدخل العناية الإلهية والإسعافات البشرية لإنقاذها.
والمؤلم أن أشجار العرعر هي المكون الرئيسي للغابات الطبيعية في منطقتي الباحة وعسير حيث تعمل كغطاء نباتي يساهم في جمال الطبيعة، وتعمل على حماية مساقط المياه ونظام جريان مياه الأمطار وتحمي التربة من التعرية، وهي كذلك أهم عناصر الجذب السياحي في تلك المناطق، فما هو حال السياحة السعودية إذا ما استمرت تلك الأشجار في الانتحار؟!
ولعل الأنشطة البشرية في تصوري هي من أهم الضغوط التي أثرت على أشجار العرعر وتسببت في موتها، ومن ذلك شق الطرق وإقامة المساكن والحدائق والمرافق الأخرى، من قطع أو إزالة لتلك الأشجار وتجريف لتربتها وتخريب لمنظومة الجريان السطحي لمياه الأمطار التي كانت تمدها بالماء الكافي الذي يبقيها على قيد الحياة، فضلا عن قلة هطول الأمطار وازدياد طول فترات الجفاف في السنوات الأخيرة وهي إحدى سمات التغير المناخي الذي يبدو أننا لم نعد له العدة بعد!
أخبار ذات صلة
 
ويبدو أن وزارة الزراعة انتبهت لهذه الظاهرة وتعاونت مع الخبراء والمختصين لدراستها ومعالجتها، وانشأت بعض المشاتل لإكثارها وتنميتها، ولكن الوضع أخطر بكثير ويحتاج لتضخيم وتسريع تلك الجهود والتنسيق مع باقي القطاعات لتؤدي دورها قبل أن يأتي اليوم الذي نقول فيه لأبنائنا كان يا ما كان كانت توجد بالسعودية غابات طبيعية!
د. أحمد أبو عمرو الغامدي