-A +A
خالد طاشكندي (جدة)

كثرت في الآونة الأخيرة تعديات بعض الصحف الإلكترونية على أخبار صحيفة «عكاظ»، ليس فقط من خلال نقل فقرة أو نص دون الإشارة إلى المصدر بل يصل الأمر في بعض الحالات إلى نسخ خبر كامل من المهد إلى اللحد، شاملا العنوان والصور والمحتوى، وهو ما يعد اعتداء على حقوق الملكية الفكرية، ويستوجب وقفة جادة لمناقشة ما نراه بأنه من التعديات التي تخل بالمصداقية وتسيء إلى المهنة وقيمها، وتضرب الجهود التي تبذلها الصحيفة في استقصاء الحقيقة والتميز والانفراد بالأخبار الحصرية.

وخلال اليومين الماضيين، سطت صحف إلكترونية على أخبار الصحيفة الخاصة والحصرية دون الإشارة إلى المصدر، ومنها على سبيل المثال، مواقع «هافينغنتون بوست» و«أخبار 24» و«المرصد» الإلكترونية، حيث نشرت النسخة العربية من صحيفة «Huffington Post» الإلكترونية خبرا عن لائحة مرافق الإيواء السياحي، التي حصلت «عكاظ» على نسخة استباقية منها، وانفردت «عكاظ» حينها بنشر ما تضمنته اللائحة ومنها عدم الامتناع عن إسكان المرأة دون محرم، تحت عنوان: («لائحة جديدة» : إسكان «المرأة» بلا محرم.. وحظر «حفلات الزواج» إلى الفجر) المنشور بتاريخ 16 يناير 2016، وقامت صحيفة «هافينغنتون بوست» بتوظيف الخبر دون الإشارة إلى المصدر، فيما قام موقع «أخبار 24 السعودي» بإعادة صياغة خبر نشرته «عكاظ» بتاريخ 18 يناير 2016 بعنوان: (غاب «المقص» في مؤتمر «الأقمار الصناعية» فقصوا الشريط باليد !)، بالإضافة إلى نسخ الصورة الخاصة بالصحيفة دون أي إشارة إلى المصدر، أما صحيفة «المرصد» فلم تكلف نفسها حتى بتغيير صياغة خبر خاص بـ «عكاظ» بعنوان: (محكمة الاستئناف تحسم قضية «شاتم» عضو الشورى) المنشور يوم أمس الأربعاء، واكتفت بالنسخ واللصق من الصحيفة دون أي إشارة إلى المصدر.



وفي هذا الصدد، قال الصحافي بدر الراشد لـ «عكاظ» بأن الكثير من الصحف «الإلكترونية» ليس بها فريق عمل صحفي احترافي، وغالبيتها تصب جل تركيزها على كيفية انتشار الرابط الإلكتروني للمواضيع التي تنشرها كهدف رئيسي بغض النظر عن المحتوى، مشيرا إلى أن أغلب المحررين الإلكترونيين غير مهتمين بطرح أسمائهم كصحفيين أو مهتمين بالارتقاء بالمهنة والقيام بعمل صحفي مميز، فغالبيتهم يلجأون إما إلى القص واللصق أو جلب أخبار من السوشيال ميديا دون التدقيق في المصدر أو وضع إضافة على المادة، وبالتالي تغيب المهنية الصحفية.



لا تهدف إلى المهنية الصحافية

وأضاف، بأنه قد يصل الأمر في بعض الحالات إلى الاعتداء على الملكية الفكرية دون وعي وإلمام بكيفية التعامل بالجانب الحقوقي، مثل سقوط الأقواس عند الاقتباس، والبعض يعتقد أن مجرد كتابة اسم المصدر في نهاية المادة بأنه حفظ حقوقه، وهذا الأمر أعتقد أن به إشكالية حقوقية، فليس من المنطق أن يتم قص ولصق مادة صحفية كما هي والاكتفاء بالإشارة إلى المصدر ولا يعتبر انتهاكا لحقوق جهة المصدر وتعديا على الجهود التي بذلت.

وأوضح الراشد، بأن هناك عددا من المواقع الإلكترونية التي تهتم بتقديم أعمال صحفية حقيقية ومميزة، وخاصة التابعة للقنوات الفضائية المعروفة أو الصحف العالمية التي لديها مواقع إلكترونية تكتب باللغة العربية، معتبرا أنها تقوم بعمل صحفي متكامل ولديها صناعة خبرية وتغطيات جيدة ولكنها قليلة ولا تقارن بالصحف الإلكترونية التي ليس لديها أدوات ولا أهداف متعلقة بمهنة الصحافة ومقوماتها.



غياب المصدر إخلال بالمهنية

وفي هذا الشأن، واجهت «عكاظ» مشعل العريفي رئيس تحرير صحيفة «المرصد»، وهي إحدى الصحف الإلكترونية المتهمة بانتهاك جهود الصحف الورقية، ودافع عن صحيفته قائلا بأنها تصنف على أنها صحيفة راصدة للخبر وليست بمصدر، وأن سياسة الصحيفة منذ نشأتها تعتمد على نقل أخبار الصحف مع ذكر مصدر الخبر، بحيث تنتقي الصحيفة الإلكترونية الأخبار المميزة في المطبوعات الورقية التي تستحق إعادة النشر مع ذكر المصدر كأمر أساسي.

ونفى قيام صحيفته الإلكترونية نشر أخبار الصحف دون الإشارة إلى المصدر، مؤكدا أن من أهم المسؤوليات الرئيسية لإدارة التحرير هي التأكد من حفظ حقوق الصحف التي تنقل عنها الأخبار، لأن أي خطأ من هذا القبيل يعد مخلا بالمهنية وانتهاكا لحقوق الملكية الفكرية، مشيرا إلى أن الكثير من الصحف الإلكترونية التي مارست هذه التجاوزات تعرضت لمشكلات قانونية وبعضها أغلقت نتيجة لهذه المخالفات.

وأوضح العريفي، أن بعض كتاب المقالات في الصحف الورقية يرسلون عبر الإيميل مقالاتهم المنشورة في مطبوعاتهم رغبة منهم في نشرها في صحيفتنا الإلكترونية، ونحن ننتقي المميز منها ونتأكد من الإشارة إلى اسم الصحيفة، مضيفا بأن الصحف الإلكترونية تخدم الصحف الورقية لأنها تساهم في الترويج المجاني للأخبار والمقالات المتميزة في الصحف الورقية من خلال نشرها في الموقع وقنوات التواصل الاجتماعي.

أنظمة الملكية الفكرية مختلفة

تحدث لـ «عكاظ» الدكتور علي تميم رئيس تحرير صحيفة «24» الإلكترونية الإماراتية، وهي من أكثر الصحف الإلكترونية انتشارا في منطقة الخليج ولا علاقة لها بموقع «أخبار 24» السعودي، موضحا أن صحيفته تعتبر مؤسسة صحفية متكاملة لها مراسلون ومحررون ومصورون ولها كتاب رأي متعاقدون مع الصحيفة، ونطبق نفس المعايير المهنية والعملية التي تؤديها الصحف الورقية، ولدينا وعي كبير بحقوق الملكية الفكرية، ولم يسبق أن تعرضت صحيفة لإشكاليات متعلقة بانتهاك الحقوق.

وأشار إلى أن بعض الملابسات التي قد تحدث في مسألة تقصي المصادر، وذلك نتيجة لأن محركات البحث ترصد نتائج عديدة لنفس المحتوى سواء خبر أو صورة، وبعض الصحف تنقل ولا تشير إلى المصدر، وهو ما قد يضلل المحرر في معرفة المصدر الأساسي للخبر، وهذا الأمر هو نتيجة لخلل في إلمام بعض الصحف ومحرريها بحقوق الملكية الفكرية، مضيفا بأن أنظمة الملكية الفكرية تختلف في كل دولة عن الأخرى، كما أن مواقع التواصل الاجتماعي أيضا لديها لوائح متعددة ومختلفة في التعريف بقواعد حقوق الملكية الفكرية.

وأوضح الدكتور تميم بأن الصحف الإلكترونية المحلية والإقليمية والعالمية تعتبر مساندة وداعمة للصحف الورقية لأنها تنقل أخبارها المميزة إلى مساحة جغرافية أوسع، وتساهم في نشر اسم الصحيفة في أماكن ودول قد لا تصلها المطبوعة الورقية وقد لا تكون معروفة أو مقروءة في تلك الدول بالرغم من أهمية أخبارها، وبالتالي يضيف هذا النقل مزايا ترويجية للصحف الورقية بشرط الالتزام بالقواعد المهنية عند النقل واحترام حقوق الملكية الفكرية.



ضرورة تعديل نظام حماية المؤلف





وحول المسائل القانونية المتعلقة بالاعتداء على الملكية الفكرية، قال المحامي أحمد عجب الزهراني، بأنه يأسف لوجود ثغرة كبيرة في نظام حماية حقوق المؤلف الذي يشرع مثل هذه الممارسات التي أضرت كثيرا بحقوق ومصالح الصحف الورقية التي تبذل الجهد والأموال الطائلة من أجل استكتاب أفضل الأدباء والمثقفين وجلب أفضل المحررين الصحفيين، ثم تأتي الصحف الإلكترونية لتنقل الأخبار والمقالات نصا لحظة بلحظة دون أي عناء ودون أي مصروفات تذكر.

وطالب بضرورة تعديل نظام حماية حقوق المؤلف، وتحديدا المادة الرابعة وأيضا المادة 15، والتي تستثني الأخبار والمقالات من حماية حقوق المؤلف، معتبرا أن هذا الأمر شجع الصحف الإلكترونية ليس فقط على نقل مقتطفات من الصحف الورقية بل الاعتماد الكلي على كل ما يرد بها، حتى وصل بها الأمر إلى استغلال أسماء وشعارات المؤسسات الصحفية الكبرى لتحقيق مكاسب مادية تأتي من خلال كسب ثقة القارئ والعميل حتى يقوم بنشر إعلاناته التجارية لديهم، وهو ما يفسر في النظام بمفهوم الإثراء بلا سبب.

وأضاف عجب، أنه في الوقت الذي تواجه فيه الصحف الورقية تراجعا في نسب التوزيع وانخفاضا واضحا في الأرباح السنوية نتيجة لهذه الملابسات وانتشار التعديات على حقوق الملكية الفكرية، وهذا بالتأكيد له انعكاسه السلبي وتأثيره في الاضطلاع بدورها في خدمة المجتمع بنشر الثقافة والمعرفة.





العقوبة ربع مليون و 6 أشهر سجناً





من جانبه، قال المحامي ماجد قاروب لـ«عكاظ»، إن نظام حماية حقوق المؤلف يحمي أي عمل أدبي أو علمي أو فني من جميع المصنفات المبتكرة في الآداب والعلوم والفنون، والوارد تفصيلها في المادة الثانية من النظام كي تشمل المصنفات المشتقة كما هي واردة بالمادة الثالثة من النظام، ومنها الترجمة والتلخيص والشرح وأي وجه من أوجه التحوير، واستثنت المادة الرابعة عددا من الإصدارات من الحماية ما تنشره الصحف والمجلات والنشرات الدورية والإذاعة من الأخبار اليومية أو الحوارات ذات الصبغة الإخبارية، ولذلك فإن كل ما ينشر في الصحف لكتاب المقالات من الحقوق المهنية التي لا يجوز الاقتباس منها دون الإشارة إلى اسم المصدر وكذلك الاستئذان منه بحسب حالة النشر والاقتباس.

وأضاف قاروب، تتعدد المخالفات التي يحميها النظام، ومنها نشر مصنف غير مملوك لمن قام بالنشر أو نشره ورعى ملكيته أو دون الحصول على إذن كتابي، سواء نسخ أو تصوير أجزاء من كتاب أو مجموعة كتب أو أجزاء من أي مصنف بعوض أو بدون عوض دون الحصول على الموافقات الخطية من أصحاب الحق والجهات المعنية، مبينا بأن العقوبات المالية لا تزيد على 250 ألف ريال والسجن بما لا يزيد على ستة أشهر.