في روايته الأخيرة، «اعتراف اللبوة»،التي كانت ضمن القائمة القصيرة لجائزة المان بوكر 2015.
يأخذنا الروائي الموزمبيقي ميا كوتو داخل حكاية شعرية لا يملك سرها سواه، بحيث يطمس الحدود بين العقل والخرافة، اليقظة والحلم، الحياة والموت. «اعتراف اللبوة» في هذا السياق تندرج ضمن الواقعية السحرية، التي ابتدعها الراحل غابرييل غارسيا ماركيز.
دخول عوالم الكاتب ميا كوتو، هو ولوج إلى عالم الموزمبيق السحري، حيث الحدود بين الواقع والخرافة والمعتقد تتداخل بلغة خلابة تحكي عن عالم مذهل، لكن في أحيان كثيرة تتخلله الحرب وضعف الإنسان الذي يجد صعوبة ليجد مكانا آمنا له. وحيث الأسود تهاجم قرويي «كولوماني»، يحكي ميا كوتو عن قرية معزولة في الموزمبيق تدعى «كولوماني» هاجمت الأسود نساءها بشراسة. ولمعالجة هذا الأمر الرهيب ترسل السلطات الصياد «مابوتو اركانجو» الذي يعتبر نفسه آخر الصيادين في الموزمبيق يعرف أسرار الغابة وطرق اقتفاء الطريدة وطرق صيد الحيوانات المفترسة. سيرافق هذا الصياد الخبير كاتب متعطش للكتابة عن هذه المطاردة الغريبة. ومن خلاله سينبثق سراد يحكون قصصهم ومن بينهم الصياد و«ماريمار» أخت إحدى الضحايا.
تعتبر قصة هذه الأخيرة أكثر غموضا، وأكثر شاعرية من غيرها، لهذا تشتد حيرة القارئ حول نوايا المرأة الشابة. من هي ؟ ماذا حدث لها؟ في الواقع، كلماتها وروايتها متخمة بالحزن والكآبة. وليس أمام القارئ إلا تخمين أسرار ودوافع استغلال هذه المرأة اليافعة.
تفجر «اعتراف اللبوة» طبقات عديدة من الأصوات السردية التي تشوش مساراتها. لأنه في النهاية، يجد القارئ نفسه أمام سؤال لا مفر منه: هل هذه اللبوات توجد حقا؟ لا يقدم ميا كوتو لقرائه رواية عن الصيد أو المغامرة. فحسب وإنما أكثر من ذلك، فروايته تكشف الأسس العميقة للوعي، أي ذلك الجانب المعتم الذي يحمله كل قروي في داخله لـ: «أن أكبر تهديد لكولوماني، لا يأت من وحوش الغابة. كونوا حذرين، يا أصدقائي، وتوخوا الحذر» هكذا يحاول السارد أن يحدد مصدر الخطر: الخطر ليس من الخارج بل من داخل النفس البشرية. القارئ بدوره ينبغي أن يكون حذرا وعلى أهبة الاستعداد، ويجب عليه أيضا أن يقوم بعملية المطاردة، لفرز الحقيقة عن الخيال. الأدب والعملية الأدبية التي تعتمل في رواية اعتراف اللبوة تصبح لعبة خرائط ومسالك، وفضاء للهدم.
في الواقع، يجعل المسكوت عنه في الرواية القارئ في حالة تأهب دائم. لأن القرية تحمل في وعيها ذنبا لا يعلمه أحد وإلا لماذا يصمت الكل عندما يأتي ذكر الضحية «تاندي»، التي لا أحد يريد ذكر اسمها؟ ولماذا هي بالذات دون سوها من تقع ضحية الأسود؟ وماذا لو كانت العملية في نهاية المطاف، ليست سوى انتقاما جهنميا لإبادة القرية عن آخرها؟ وفي هذه الحالة، من يقف وراء هذا القتل كله؟ يجب على القارئ أن يقرأ حتى الصفحة الأخيرة ليدرك الحقيقة عن مصير كل شخصية على حدة.
يمكث القارئ مبلبلا حتى الكلمة الأخيرة. لأن قراءة «اعتراف اللبوة» هي أن تبقى مأخوذا ومفتونا وعلى استعداد وحريصا من الشخصيات لأنها تملك قدرة رهيبة على إخفاء الأسرار وتهديد القارئ باستمرار بما في ذلك «ماريامار» التي تلعب دورا ملغزا. على العموم لا بد من الاعتراف أن أصوات الرواية متشابكة ومتداخلة، تهمس حقائق محتملة عن مصائر شخصيات قرية «كولوماني». كل شخصية على حدة.
إن قراءة اعتراف اللبوة هي أيضا اقتفاء للكاتب في عرضه لقضية اجتماعية مهيمنة تتعلق بالسلطة المهيمنة للمجتمع الذكوري، الذي يخضع النساء لإرادته. كما يسلط ميا كوتو الضوء على الجانب الأنثروبولوجي ويتجلى في الرواية عندما يأتي على ذكر الأساطير حول نشأة الكون وحول نشأة القرية. كما يتحدث عن فشل النظام الأمومي. الرواية برمتها هي عملية إنعاش للأسس الأسطورية المنسية التي لا تمر عن طريق التقاليد الشفهية.
اعتراف اللبوة رواية ثرية بالقضايا المجتمعية الإفريقية، التي يتناولها الكاتب بعمق ووعي. كتبت بأسلوب بسيط ولغة صافية، غنية بمعجم نباتي وغابوي يسمو بالجمال الطبيعي العذري ويحتفي بالأساطير المؤسسة للذهنية الأفريقية.
الروائي ميا كوتو، هو أنطونيو إيميليو ليتي كوتو ولد بـ«بيرا» في 5 يوليو 1955 كاتب متميز من الموزمبيق ، يقارن اليوم بغابرييل غارسيا ماركيز وجورج أمادو. والداه هاجرا إلى الموزمبيق في منتصف القرن العشرين. في الرابعة عشر من العمر، بدأ ينشر قصائده في صحيفة نوتيسياس في بيرا وبعد ثلاث أي في عام 1971، انتقل إلى لورنسو ماركيز العاصمة، التي أصبحت الآن تدعى مابوتو. بدأ بدراسة الطب، لكنه تخلى عنها بعد ثلاث سنوات، ليصبح صحفيا في عام 1974 الذي صادف تاريخ «ثورة القرنفل» ونهاية دكتاتورية سالازار في البرتغال. عمل في صحيفة «لا تريبونا» حتى إفلاسها بسبب المستوطنين البرتغاليين في سبتمبر 1975. ثم عين رئيسا لوكالة أنباء موزمبيق (AIM)، وبذلك تمكن من خلق شبكات التواصل بين أقاليم الموزمبيق خلال حرب الاستقلال.
بعد ذلك شغل منصب مدير في صحيفة «ايل تيمبو» حتى عام 1981 ثم واصل مسيرته في صحيفة «نوتيسياس» حتى عام 1985. في عام 1983 نشر أول مجموعة شعرية «الجذر الندى» وبعد عامين، استقال من منصبه كمدير ثم استأنف دراسته الجامعية في مجال البيولوجيا.
يعتبر ميا كوتو واحدا من أهم الكتاب في الموزمبيق، وهو أيضا الكاتب الأكثر ترجمة (الألمانية والفرنسية والإنكليزية والإسبانية والتشيكية والإيطالية) يحاول في كثير من أعماله إعادة صياغة اللغة البرتغالية وفق تأثيرات اللغة الموزمبيقية، وذلك باستخدام المعجم والمفردات المتوفرة في الأقاليم، لإنتاج نموذج جديد للكتابة الأفريقية. «المسرنم» هي روايته الأولى، نشرت في عام 1992 وحصل بها على الجائزة الوطنية للرواية من رابطة الكتاب الموزمبيقيين في عام 1995. وتعتبر هذه الرواية واحدة من أفضل اثنتي عشرة رواية أفريقية في القرن العشرين التي اختارتها لجنة التحكيم في المعرض الدولي للكتاب في زيمبابوي. حصل ميا كوتو على جائزة كامويس عن مجموع أعماله الأدبية، وهي أعلى جائزة تمنح لكاتب يكتب باللغة البرتغالية.كما أن روايته الأخيرة «اعتراف اللبوة» كادت تظفر بجائزة المان بوكر للرواية الأجنبية لعام 2015، لولا أن اللجنة مالت للمجري لاسلو كرازناهوكاي.
يأخذنا الروائي الموزمبيقي ميا كوتو داخل حكاية شعرية لا يملك سرها سواه، بحيث يطمس الحدود بين العقل والخرافة، اليقظة والحلم، الحياة والموت. «اعتراف اللبوة» في هذا السياق تندرج ضمن الواقعية السحرية، التي ابتدعها الراحل غابرييل غارسيا ماركيز.
دخول عوالم الكاتب ميا كوتو، هو ولوج إلى عالم الموزمبيق السحري، حيث الحدود بين الواقع والخرافة والمعتقد تتداخل بلغة خلابة تحكي عن عالم مذهل، لكن في أحيان كثيرة تتخلله الحرب وضعف الإنسان الذي يجد صعوبة ليجد مكانا آمنا له. وحيث الأسود تهاجم قرويي «كولوماني»، يحكي ميا كوتو عن قرية معزولة في الموزمبيق تدعى «كولوماني» هاجمت الأسود نساءها بشراسة. ولمعالجة هذا الأمر الرهيب ترسل السلطات الصياد «مابوتو اركانجو» الذي يعتبر نفسه آخر الصيادين في الموزمبيق يعرف أسرار الغابة وطرق اقتفاء الطريدة وطرق صيد الحيوانات المفترسة. سيرافق هذا الصياد الخبير كاتب متعطش للكتابة عن هذه المطاردة الغريبة. ومن خلاله سينبثق سراد يحكون قصصهم ومن بينهم الصياد و«ماريمار» أخت إحدى الضحايا.
تعتبر قصة هذه الأخيرة أكثر غموضا، وأكثر شاعرية من غيرها، لهذا تشتد حيرة القارئ حول نوايا المرأة الشابة. من هي ؟ ماذا حدث لها؟ في الواقع، كلماتها وروايتها متخمة بالحزن والكآبة. وليس أمام القارئ إلا تخمين أسرار ودوافع استغلال هذه المرأة اليافعة.
تفجر «اعتراف اللبوة» طبقات عديدة من الأصوات السردية التي تشوش مساراتها. لأنه في النهاية، يجد القارئ نفسه أمام سؤال لا مفر منه: هل هذه اللبوات توجد حقا؟ لا يقدم ميا كوتو لقرائه رواية عن الصيد أو المغامرة. فحسب وإنما أكثر من ذلك، فروايته تكشف الأسس العميقة للوعي، أي ذلك الجانب المعتم الذي يحمله كل قروي في داخله لـ: «أن أكبر تهديد لكولوماني، لا يأت من وحوش الغابة. كونوا حذرين، يا أصدقائي، وتوخوا الحذر» هكذا يحاول السارد أن يحدد مصدر الخطر: الخطر ليس من الخارج بل من داخل النفس البشرية. القارئ بدوره ينبغي أن يكون حذرا وعلى أهبة الاستعداد، ويجب عليه أيضا أن يقوم بعملية المطاردة، لفرز الحقيقة عن الخيال. الأدب والعملية الأدبية التي تعتمل في رواية اعتراف اللبوة تصبح لعبة خرائط ومسالك، وفضاء للهدم.
في الواقع، يجعل المسكوت عنه في الرواية القارئ في حالة تأهب دائم. لأن القرية تحمل في وعيها ذنبا لا يعلمه أحد وإلا لماذا يصمت الكل عندما يأتي ذكر الضحية «تاندي»، التي لا أحد يريد ذكر اسمها؟ ولماذا هي بالذات دون سوها من تقع ضحية الأسود؟ وماذا لو كانت العملية في نهاية المطاف، ليست سوى انتقاما جهنميا لإبادة القرية عن آخرها؟ وفي هذه الحالة، من يقف وراء هذا القتل كله؟ يجب على القارئ أن يقرأ حتى الصفحة الأخيرة ليدرك الحقيقة عن مصير كل شخصية على حدة.
يمكث القارئ مبلبلا حتى الكلمة الأخيرة. لأن قراءة «اعتراف اللبوة» هي أن تبقى مأخوذا ومفتونا وعلى استعداد وحريصا من الشخصيات لأنها تملك قدرة رهيبة على إخفاء الأسرار وتهديد القارئ باستمرار بما في ذلك «ماريامار» التي تلعب دورا ملغزا. على العموم لا بد من الاعتراف أن أصوات الرواية متشابكة ومتداخلة، تهمس حقائق محتملة عن مصائر شخصيات قرية «كولوماني». كل شخصية على حدة.
إن قراءة اعتراف اللبوة هي أيضا اقتفاء للكاتب في عرضه لقضية اجتماعية مهيمنة تتعلق بالسلطة المهيمنة للمجتمع الذكوري، الذي يخضع النساء لإرادته. كما يسلط ميا كوتو الضوء على الجانب الأنثروبولوجي ويتجلى في الرواية عندما يأتي على ذكر الأساطير حول نشأة الكون وحول نشأة القرية. كما يتحدث عن فشل النظام الأمومي. الرواية برمتها هي عملية إنعاش للأسس الأسطورية المنسية التي لا تمر عن طريق التقاليد الشفهية.
اعتراف اللبوة رواية ثرية بالقضايا المجتمعية الإفريقية، التي يتناولها الكاتب بعمق ووعي. كتبت بأسلوب بسيط ولغة صافية، غنية بمعجم نباتي وغابوي يسمو بالجمال الطبيعي العذري ويحتفي بالأساطير المؤسسة للذهنية الأفريقية.
الروائي ميا كوتو، هو أنطونيو إيميليو ليتي كوتو ولد بـ«بيرا» في 5 يوليو 1955 كاتب متميز من الموزمبيق ، يقارن اليوم بغابرييل غارسيا ماركيز وجورج أمادو. والداه هاجرا إلى الموزمبيق في منتصف القرن العشرين. في الرابعة عشر من العمر، بدأ ينشر قصائده في صحيفة نوتيسياس في بيرا وبعد ثلاث أي في عام 1971، انتقل إلى لورنسو ماركيز العاصمة، التي أصبحت الآن تدعى مابوتو. بدأ بدراسة الطب، لكنه تخلى عنها بعد ثلاث سنوات، ليصبح صحفيا في عام 1974 الذي صادف تاريخ «ثورة القرنفل» ونهاية دكتاتورية سالازار في البرتغال. عمل في صحيفة «لا تريبونا» حتى إفلاسها بسبب المستوطنين البرتغاليين في سبتمبر 1975. ثم عين رئيسا لوكالة أنباء موزمبيق (AIM)، وبذلك تمكن من خلق شبكات التواصل بين أقاليم الموزمبيق خلال حرب الاستقلال.
بعد ذلك شغل منصب مدير في صحيفة «ايل تيمبو» حتى عام 1981 ثم واصل مسيرته في صحيفة «نوتيسياس» حتى عام 1985. في عام 1983 نشر أول مجموعة شعرية «الجذر الندى» وبعد عامين، استقال من منصبه كمدير ثم استأنف دراسته الجامعية في مجال البيولوجيا.
يعتبر ميا كوتو واحدا من أهم الكتاب في الموزمبيق، وهو أيضا الكاتب الأكثر ترجمة (الألمانية والفرنسية والإنكليزية والإسبانية والتشيكية والإيطالية) يحاول في كثير من أعماله إعادة صياغة اللغة البرتغالية وفق تأثيرات اللغة الموزمبيقية، وذلك باستخدام المعجم والمفردات المتوفرة في الأقاليم، لإنتاج نموذج جديد للكتابة الأفريقية. «المسرنم» هي روايته الأولى، نشرت في عام 1992 وحصل بها على الجائزة الوطنية للرواية من رابطة الكتاب الموزمبيقيين في عام 1995. وتعتبر هذه الرواية واحدة من أفضل اثنتي عشرة رواية أفريقية في القرن العشرين التي اختارتها لجنة التحكيم في المعرض الدولي للكتاب في زيمبابوي. حصل ميا كوتو على جائزة كامويس عن مجموع أعماله الأدبية، وهي أعلى جائزة تمنح لكاتب يكتب باللغة البرتغالية.كما أن روايته الأخيرة «اعتراف اللبوة» كادت تظفر بجائزة المان بوكر للرواية الأجنبية لعام 2015، لولا أن اللجنة مالت للمجري لاسلو كرازناهوكاي.