الحديث مع وزير الثقافة والإعلام الأسبق الدكتور عبدالعزيز بن محيي الدين خوجة، سفير خادم الحرمين لدى المملكة المغربية حاليا، حديث يفتح نوافذ متعددة لقضايا مهمة في المشهد الإعلامي والثقافي وفي المشهد السياسي.. وهو حديث يتسم بالشفافية والتلقائية إضافة إلى عمق التجربة التي تحملها تلك الشخصية التي بدأت بالعمل الأكاديمي، مرورا بالعمل الدبلوماسي سفيرا للمملكة في تركيا، ثم سفيرا في روسيا (1992-1996) وفيها عاصر انهيار الاتحاد السوفيتي آنذاك، وكانت ثلوج روسيا وطقسها البارد ذات تأثير عميق في وجدانه كشاعر مسكون بالقصيدة، فالشعر كما يقول: يعيد للأرض طهارتها الأولى وإلى الإنسان صدقه وعفويته.
اطلع هناك على التجارب الشعرية الروسية العظيمة كمثاقفة إبداعية فترجمت أشعاره للغتين الروسية والداغستانية. ثم عين بعدها سفيرا في المملكة المغربية، وكانت تجربة آسرة له قبل أن يتم تعيينه في لبنان سفيرا في بلد يموج بالحدث السياسي فنجح في عمله الدبلوماسي، ثم وزيرا للثقافة والإعلام في العام 2009 وحتى العام 2014.
بعد هذه الرحلة الثرية والحافلة، قضى خوجة استراحة محارب ليعود من جديد لذاته ولأبنائه بذاكرة تحيط بها المسؤولية من جميع الجهات، قبل أن تصدر الثقة الملكية الغالية بتعيينه مؤخرا سفيرا بالمغرب.
التقيت به في منزله بمدينة جدة وكان محاطا ببعض الأصدقاء، غير أني نجحت في محاورته بخصوصية بعد أن غادر الجميع مجلسه العامر، فخص «عكاظ» بهذا الحديث.. وأمام مثل هذه الشخصية الثرية لابد لنا أن نفتح العديد من الأبواب وأن نطرق العديد من المحاور ونحاول حصرها.. وإلى نص الحوار:
• في البدء دكتور عبدالعزيز، بعد هذه الرحلة الثرية والطويلة في العمل الأكاديمي والدبلوماسي والوزاري ما الذي تتطلع إليه اليوم؟
- أتطلع لكل ما هو جميل.. وأحمد الله خدمت بلدي وما زلت أخدمها وسأظل بإذن الله.. كما تعلم أنا عملت وكيل جامعة ثم عميد كلية وأستاذا جامعيا ثم وكيل وزارة الإعلام، وبعدها اتصل بي الأستاذ عبدالرحمن المنصوري رحمة الله عليه وكان وكيل وزارة الخارجية، وقال: صدرت التوجيهات بالرغبة أن تكون سفيرا في تركيا، وبالفعل صرت سفيرا هناك وفتحت لي أبواب الدبلوماسية عالما جديدا.. أمضيت في تركيا سفيرا للمملكة العربية السعودية 6 سنوات، ومن تركيا أصبحت سفيرا في موسكو كأول سفير سعودي في موسكو وبقيت 5 سنوات، ثم أصبحت سفيرا في المغرب لمدة 7 سنوات، وبعدها أصبحت سفيرا في لبنان لمدة 5 سنوات، اكتسبت تجربة دبلوماسية كبيرة في مسيرة حياتي، أضافت لي هذه التجربة الشيء الكثير من المعرفة ومن الاتصال بالثقافات الأخرى والشعوب، وتعلمت الكثير على يد الأمير سعود الفيصل يرحمه الله.. فكان رجلا مسؤولا عن هذا الصرح الكبير.. وبعد ذلك أصبحت وزيرا للإعلام من عام 2009 وحتى 2014. ومؤخرا ولله الحمد صدرت الثقة الغالية لأكون سفيرا بالمملكة المغربية وأديت القسم أمام سيدي خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز. والحمد لله في مسيرة حياتي العملية حاولت بكل ما أملك أن أخدم ديني ومليكي ووطني بكل إخلاص وتفان، لكن الإنسان بطبيعته يخطئ ويصيب وإن أصبنا فمن الله عز وجل وإن أخطأنا فهي اجتهادات البشر، والحمد لله على كل حال تجربة أعتز بها سواء في التجربة أكاديميا أو سفيرا وما زلت أخدم هذا البلد بكل ما أملك.
• بوصلتك الدبلوماسية تتجه اليوم إلى مدينة الرباط.. كيف تنظر إلى تلك المحطة؟
- صدرت الثقة الكريمة وأديت القسم أمام خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز حفظه الله واستمعت للتوجيهات قبل أن أغادر فأرجو من الله أن يوفقني في أداء المهمة على أكمل وجه، وها أنذا أعود إليها محملا بالحب والأمل.
• ألا ترى أن تعيينك سفيرا في بلد مثل المغرب يعد تكريما لك بعد هذه المسيرة العملية الكبيرة؟
- العلاقة التي تربط المملكتين السعودية والمغربية متميزة من قديم الزمان، والأسرتان الملكيتان في السعودية والمغرب على علاقة وطيدة وقوية ومميزة وتربطهما المودة والأخوة والصداقة، فضلا عن العلاقات البينية سياسيا واقتصاديا. وأعتبر تعييني سفيرا في المغرب ثقة أعتز بها.. وشرف كبير لي أن أنال هذه المهمة، خاصة أنها جاءت من ملك البلاد الملك سلمان بن عبدالعزيز حفظه الله، وهذا أكبر شرف لي بغض النظر عن أي مكان أكون فيه، وما زلت أفتخر بعملي في كل تكليف وكل ثقة منحتها خلال الفترة الماضية.
• أثناء عملك وزيرا للثقافة والإعلام كانت لديك رؤية في تحول الوزارة إلى هيئات مستقلة وخصخصتها وتفتيتها إلى كيانات بديلة.. حدثنا عن ذلك.
- صار جزء منها وتم هذا الشيء الذي كنت أحلم به فاستقلت بعض منها وأصبحت لها استقلالية وأعتقد أنها اليوم في طريقها إلى الخصخصة بحيث تكون مستقلة تماما وتؤدي دورها بالكامل.
• أنت مع إلغاء وزارة الإعلام وتحويلها إلى هيئة إشرافية؟
- في الواقع كنت أتمنى أن تتحرر الثقافة وتصبح هيئة عليا.
• هيئة الصحفيين السعوديين كمؤسسة مدنية مستقلة تواجه اليوم انتقادات كبيرة بأنها لم تحقق شيئا، كيف ترى ذلك؟
- هيئة الصحفيين السعوديين ولدت منذ فترة طويلة والمفروض أنها تقوم بدورها. وأعتقد أن هيئة الصحفيين تحتاج إلى غربلة حقيقية وإلى ترشيد وإعادتها أو إعادة بلورتها وترشيد دورها الحقيقي في دعم الحركة الصحفية في بلادنا.. هذا هو المفروض.
• بعض النخب كانوا يقولون إن عبدالعزيز خوجة حينما كان وزيرا للإعلام لم يتحمس لإصدار صحيفة الصباح من تبوك.. كيف ترى ذلك؟
- بالعكس كنت أكثر الناس حماسا لإصدار هذه الصحيفة، والأمير فهد بن سلطان أمير المنطقة يشهد على ذلك، وأنا كنت من أكثر المتحمسين لإصدارها. وأعتقد أن البوابة الشمالية تحتاج إلى صحيفة مستقلة بها، ويكون لها دور وتعبر عن نشاطات هذه المنطقة وثقافتها ونشاطاتها التي تدور فيها.. أعتقد أنه مهم جدا أن تكون هناك صحيفة ورقية أو صحيفة إلكترونية قوية في تبوك، وأعتقد إذا كان هناك رجال ما زالوا متحمسين لدعمها ماديا ومعنويا فإن الفرصة سانحة، وأعتقد أن الأمير فهد بن سلطان من أشد المتحمسين لإصدارها بأقرب وقت ممكن.
• في مجلسك طالب أحد الأصدقاء بتوثيق التراث الحجازي والتراث المكي.. كيف ترى ذلك؟
- محاولات متميزة بلا شك، وبلادنا غنية بالتراث في كل منطقة ولها امتدادها التاريخي والثقافي عبر مئات السنين، والحجاز والمنطقة الجنوبية والمناطق الشمالية والوسطى والشرقية كل منطقة لها لونها وموروثها الخاص بها وعاداتها، وتحتاج إلى مبدع أو كاتب متميز أو روائي أو قصصي أو مؤرخ لكي يخرج كل هذه الأشياء مرة أخرى بأسلوبه الخاص، وأنا لا أتكلم عن التراث الحجازي فقط، إنما التراث في أي منطقة في بلادنا الغالية، فالمملكة قارة كبيرة ولها تاريخها الحضاري والإنساني شمالا وجنوبا غربا وشرقا ووسطا، تحتاج إلى جهد كبير جدا كمؤرخ وكاتب وغيرهم.. هذا دور المثقف والفنان.
• أذكر أنني كنت أتحدث معك أثناء عملك في الوزارة واعترفت أنك لا تمتلك الوقت الكافي للقراءة أو لكتابة الشعر وانشغلت بعملك كوزير للثقافة والإعلام.. اليوم وأنت بعيد عن الوزارة هل وجدت الوقت لنفسك؟
- الوزارة أشغلتني بلا شك، واليوم عدت إلى نفسي كثيرا وإلى قراءاتي وكتاباتي وإلى أسرتي واكتشفت أولادي وأحفادي، اكتشفت الناس حولي، كنت في رحلة طويلة جدا في حياتي، كنت في رحلة جري طويل دائما ولهاث.. هذه الفترة التي خرجت فيها من الوزارة كانت فترة عودة إلى النفس والأهل، للكتاب، للإبداع والشعر، إلى الكثير من الأشياء التي افتقدها.
• «ذاكرة سفير، أو كنت سفيرا في بيروت».. لا أعلم أي العنوانين أصح، لكنني أعلم أن لديك كتابا جديدا يؤرخ ويرصد لفترة عملك سفيرا خارج المملكة، حدثنا عن هذا الإصدار ومتى سيرى النور؟
- أحاول أن أجمع من هنا وهناك، وما زالت مسودة أعمل عليها، وهي بالفعل ترصد رحلتي مع العمل الدبلوماسي في عدد من العواصم، ولعله إصدار يضيف للقارئ المفيد، أما عن موعد صدوره فلن يتأخر بإذن الله تعالى.
• على ذكر الإصدارات، صدر كتاب للناقدة مستورة العرابي قبل ثلاث سنوات تقريبا بعنوان «التشكيل الجمالي في شعر عبدالعزيز خوجة».. كيف تنظر إليه في رصد تجربتك الشعرية؟
- الحقيقة هو كتاب مهم جدا وبذلت فيه الباحثة جهدا كبيرا وأنا ممتن لها فالكتاب أضاف لي، كما أن دراستها لقصائدي دراسة نقدية كانت إضافة مهمة لي على مستوى الكتابة.
• في عهدك بوزارة الإعلام تعهدت بألا يتم إيقاف أي صحفي أو كاتب أثناء فترة وزارتك، ومع ذلك كانت هناك إيقافات لعدد من الصحفيين والكتاب.. ترى هل كانت الظروف والتحديات كبيرة أمامك؟
- لم توقف الوزارة أي كاتب أو صحفي إطلاقا ومهما كانت الظروف، فالإيقافات تكون أحيانا من الجريدة نفسها أو من رؤساء التحرير أو من الإدارة، فهم من يقررون ذلك. لكن أنا وبشهادة كل الصحفيين وكل من ينتمي إلى الإعلام كنت أقف مع الإعلامي والكاتب.. وحرصنا أن تحال القضايا إلى وزارة الإعلام فأصبحت الوزارة مسؤولة بكل اعتزاز وجراءة واحترام، ولله الحمد ولدت اللجان القضائية الثلاث الخاصة بقضايا النشر والإعلام والتي بدأت في العام 2011، وكانت ثلاث جهات قضائية وبإمكان الصحفي أن يستأنف الحكم إذا لم يناسبه، والحمد لله، هذه اللجان تحمي حقوق الصحفي وتنصفه.
• بعيدا عن المسؤولية.. كيف تستمتع بوقتك بعيدا عن أعباء العمل وهموم الوزارة؟
- أعيش حياة طبيعية ولله الحمد مستمتعا بحياتي شاكرا ربي على ما تفضل به علي، وأكثر شيء أستمتع به القراءة وزيارة أصدقائي وأحبابي، والآن أعيش أجمل فترات حياتي.
• من أقرب الأصدقاء لك؟
- أصدقائي كثر ولله الحمد، ومنهم من قضى نحبه رحمهم الله، ومنهم من لا يزال على قيد الحياة وهم قريبون من القلب، وبدون الأصدقاء لا معنى للحياة.
• كم لديك من الأبناء ومن أكبرهم؟
- أكبر الأبناء هبة ثم جمانة ثم محمد، الله يحفظهم، وهم متعلمون والحمد لله.
• في خضم العالم المثقل بالحروب والصراعات تتسلل أغنية تحيلنا إلى عوالم أكثر بهاء وجمالا، ما هي الأغنية التي تأسر قلبك اليوم، ومن يشجيك فنيا؟
- طبعا أنا أحب محمد عبدالوهاب والسيدة أم كلثوم ووديع الصافي ومحمد عبده وعبادي الجوهر وعبدالرب إدريس، والآن الفنانة هبة قواص غنت الكثير من كلماتي وأجادت.
• أخيرا يا دكتور عبدالعزيز ماذا تود قوله لقارئ «عكاظ»؟
- أنا من محبي هذه الصحيفة العزيزة على قلبي، وأشكرك يا عبدالرحمن وأرجو أن أكون ضيفا خفيفا على قارئ «عكاظ» الحبيبة.
محطات
في حياته
• عبدالعزيز بن محيي الدين خوجة سفير خادم الحرمين الشريفين في المغرب وزير الثقافة والإعلام الأسبق، من مواليد مكة المكرمة عام 1361 هـ الموافق 1942، ويحمل شهادة بكالوريوس في الكيمياء والجيولوجيا من جامعة الرياض وشهادة دكتوراه في الكيمياء من جامعة برمنغهام - إنجلترا 1970. يكتب الشعر وله العديد من المؤلفات الشعرية.
مناصبه:
• أستاذ الكيمياء في كلية التربية بمكة المكرمة. وعين عميدا لها ومشرفا عاما على الجامعة بمكة المكرمة، كما درس في جامعة الملك عبدالعزيز.
• تولى منصب وكيل وزارة الإعلام للشؤون الإعلامية وقام بأعمال مدير عام جهاز تلفزيون الخليج.
• ترأس عدة مجالس، منها المجلس التنفيذي لمنظمة إذاعات الدول الإسلامية والمجلس التنفيذي لوكالة الأنباء الإسلامية، وعدد من المؤتمرات الإعلامية إضافة إلى كونه عضوا في مجالس عديدة.
• عين سفيرا للمملكة في عدد من الدول: تركيا 1986 - 1992، روسيا الاتحادية 1992 - 1996، المملكة المغربية 1996 - 2004، لبنان 2004 - 2009.
• صدر في يوم السبت 19 صفر 1430 هـ الموافق 14 فبراير 2009 مرسوم ملكي بتعيينه وزيرا للثقافة والإعلام في المملكة العربية السعودية.
• وصدر في يوم الأربعاء (12 محرم 1436) الموافق 5 نوفمبر 2014 قرار إعفائه من منصبه بناء على طلبه.
• عين سفيرا لخادم الحرمين الشريفين لدى المملكة المغربية في 1-4-1437.
دواوينه الشعرية:
حنانيك، عذاب البوح، بذرة المعني، حلم الفراشة، الصهيل الحزين، إلى من أهواه، أسفار الرؤيا، قصائد حب ، ديوان عبد العزيز خوجة ، مئة قصيدة للقمر، رحلة البدء والمنتهى.