حتى قبل الإقلاع من مطار واشنطن إلى جدة كان «العقل الباطن» لطائرتنا البوينج 777 عاملا بكامل قواه.. كانت وجهة سفرنا مخزنة بدقة، وارتفاعاتنا المختلفة كلها مبرمجة في حواسيب الطائرة المختلفة.. وفي بداية عملية الإقلاع تم تشغيل نظام الدفع الأوتوماتيكي Auto-throttle، الذي وفر بمشيئة الله قوة الدفع الهائلة آخذا في الحسبان إجمالي وزن الطائرة وكثافة الهواء. كان وزننا يبلغ حوالي 290 ألف كيلو جرام «فقط»، وهو اقل من أقصى وزن للبوينج الذي يصل إلى حوالي 350 ألف كيلو جرام، أي ما يعادل وزن حوالي 250 سيارة كامري، كما ذكرت في مقالي السابق عن الـ 777. وبسبب التباين بين الوزن الخفيف نسبيا وأقصى وزن، وسعيا نحو توفير طاقة المحركين حرصا على استهلاكهما، فقد وضع طاقم الطائرة «كذبة» بيضاء في جهاز حاسوب التحكم بالدفع. تحديدا، تم الادعاء أن درجة الحرارة الخارجية كانت 48 درجة مئوية.. ما يعادل حرارة أحد أيام الرياض في عز الصيف.. في حين أن درجة الهواء الحقيقية كانت حوالي 14 درجة فقط.. الطائف في مطلع الشتاء. ويتم شبك هذا النظام مع الطيار الآلي ليتم التحكم السلس الدقيق في السرعة والارتفاع والملاحة. وعلى سبيل المثال فبعد إقلاع طائرتنا من واشنطن اليوم، لم تتجه طائرتنا إلى وجهة سفرنا الأساسية وهي جدة بل اتجهت إلى 72 وجهة سفر مختلفة معلقة في السماء، وكلها عبارة عن إحداثيات ملاحية دقيقة تم تخزينها في حواسيب الطائرة.. وآخر نقطة كانت مطار جدة. وهذه المنظومة الأوتوماتيكية هي من أجمل الروائع الهندسية نظرا لدقتها وسلاسة عملها وتحكمها في العديد من النظم بدون أن نشعر بالتخاطب بينها وكأنها مجموعة علماء يراقبون ويدققون أجهزة الطائرة المختلفة لتأكيد السلامة، والدقة، والراحة. ولكن يوجد ما هو أهم من هذا وهو ما يدور بداخلنا.. تشير الدراسات الحديثة في علم السلوكيات البشرية أن حوالي 40 في المئة من سلوكياتنا اليومية لا علاقة لها بالتفكير، فهي عبارة عن عادات.. أشبه بنظم التحكم في الطائرة والتي ندرجها تحت اسم الطيران الآلي.. يعني «التماتيك».. طبعا جمال هذه الظاهرة أنها تمنحنا فرصة تركيز عقولنا على المهام التي تحتاج إلى التركيز.. تخيل مثلا لو كانت كل كبيرة وصغيرة في حياتك تحتاج إلى قرار ذهني.. شاهي أحمر في الفجر بعد الصلاة.. إيقاظ الأبناء للذهاب إلى المدارس.. لبس الملابس بطريقة معينة.. كل هذه ستضع أعباء فكرية لا داعي لها لأنها مكررة ولا تتطلب قرارات مختلفة. طبعا هناك العديد من العادات غير المرغوبة، وعلى رأسها التدخين. وبالنسبة لي شخصيا، أجد أن إحدى العادات التي لم أستطع التغلب عليها عبر السنين هي تناول الحلوى أثناء الكتابة وبالذات الشوكولاتة الداكنة. ولذا فأجد نفسي كل عام في وسط معارك دائمة لإنقاص وزني بسبب تلك العادات.
أمنية
أتمنى أن نتذكر أن مقاومة العادات تتطلب في حد ذاتها عادات نابعة من الإرادة القوية. والشطارة أن نختار أيا من العادات التي نكونها لتصبح ضمن سلوكيات «التماتيك» أي تلك التي لا تتطلب التفكير.. وهذا ليس مجرد تنظير.. فضلا انظر إلى عدد البشر الذين تعرفهم الذين نجحوا في تقليص وزنهم من خلال التخلص من العادات الغذائية غير المرغوبة، وعدد الذين تخلصوا من عادة التدخين. والأهم من ذلك، انظر إلى الدول التي قلصت عادات التبذير، والإساءة إلى البيئة، والغيرة على الأوطان بالعمل وليس بالكلام، وغيرها من مكونات التقدم الذي يكونه العمل الصادق، وفوق كل هذا: الإيمان بالله
وهو من وراء القصد.
أمنية
أتمنى أن نتذكر أن مقاومة العادات تتطلب في حد ذاتها عادات نابعة من الإرادة القوية. والشطارة أن نختار أيا من العادات التي نكونها لتصبح ضمن سلوكيات «التماتيك» أي تلك التي لا تتطلب التفكير.. وهذا ليس مجرد تنظير.. فضلا انظر إلى عدد البشر الذين تعرفهم الذين نجحوا في تقليص وزنهم من خلال التخلص من العادات الغذائية غير المرغوبة، وعدد الذين تخلصوا من عادة التدخين. والأهم من ذلك، انظر إلى الدول التي قلصت عادات التبذير، والإساءة إلى البيئة، والغيرة على الأوطان بالعمل وليس بالكلام، وغيرها من مكونات التقدم الذي يكونه العمل الصادق، وفوق كل هذا: الإيمان بالله
وهو من وراء القصد.