قبل ثلاث سنوات ونيف، عايشت موقفا في بلدة «ثول» حينذاك.. كنت في (سوقها) أبتاع بعض الخضار لبيتي فلم أجد العمال الأجانب الذين أشتري منهم عادة ووجدت عاملا سعوديا يبيع الطماطم والخيار والخضار والفاكهة، فسألت عمه صاحب المكان: أين فلان وفلان؟ فقال منعتهم البلدية أخيرا، ثم التفت لي العامل السعودي الجديد وعاجلني بابتسامة رضا وطمأنينة وقال: الله يحفظ ولد الفيصل. قلت بعده بابتسامة رضا وطمأنينة أيضا: الله يحفظ ولد الفيصل خالد الفيصل.
تذكرت هذا الحدث والأمير خالد الفيصل مستشار خادم الحرمين الشريفين أمير منطقة مكة المكرمة، يزور ثول ظهر اليوم ليدشن مشاريع المرحلة الثانية من تطوير هذة البلدة البكر على ساحل البحر الأحمر، إذ سيفتتح سبع مدارس للبنين والبنات ومجمعا صحيا للعيادات الطبية يحتوي معظم العيادات التخصصية ووحدات لغسيل الكلى فضلا عن مشاريع تصريف السيول وإنشاء طرق ومساجد وأيضا المركز الحضاري في ثول الذي يضم منتزها للأهالي وألعابا للأطفال وقاعة احتفال كبيرة وسوقا تراثية للأسر المنتجة ومجمعا للمطاعم وجامع عمر بن الخطاب الذي يتسع لـ1500 مصل وغيرها من المشاريع التنموية الأخرى.
أقول تذكرت ذلك الموقف البسيط العفوي من المواطن تجاه حاكمه الإداري لأن أهالي ثول، ومنذ (كم يوم)، وهم يدعون ذات الدعاء وربما دعوات أكثر للأمير خالد الفيصل، ليس لأنه سيزورهم ويفتتح مشروعات الخير لهم، ليس لهذا فقط، ولكن لأن إعلان هذه الزيارة قبل أسابيع قليلة أيقظ بلدية ثول (أمانة جدة)، ــ سعادة الأمين المهندس هاني أبوراس زار ثول أمس الأول وهي الزيارة الأولى له للبلدة منذ تعيينه قبل 8 سنوات وجاء يتفقد عمل الأمانة والبلدية استعدادا للحفل لا خدماتهم المقدمة للناس ــ، وبقية الجهات الحكومية الأخرى من رقدتهم الطويلة، فانتشروا، بعمالهم وآلياتهم ومعداتهم، يجملون وجه القرية ويعملون ليل نهار على التنظيف والتلميع و(الدهن) والزرع وإحياء ما قد أماتوه بإهمالهم السابق من الميادين والأرصفة وحتى بعض المباني الجديدة وأهمها المجمع الطبي الفريد الذي أنهت بناءه أرامكو هو وكل المشاريع الأخرى التي سيدشنها الأمير اليوم، أنجزتها أرامكو، بناء على الأمر الملكي الكريم، منذ ما يزيد على العام، وسلمتها إلى جهاتها، لكن شيئا منها لم يعمل سوى المدارس السبع التي بنيت على أحدث طراز ووفق مواصفات عالية الجودة وبتجهيزات ومعامل حديثة وهو شيء أبهج الناس هناك إلا أن هذه المدارس معرضة للتعثر، إذ تخلت أرامكو عن صيانتها بطلب من الجهة التعليمية المشرفة أو أن الأخيرة لم تتوصل إلى اتفاق أو لم تكن جادة في استمرار أرامكو في صيانة مبان أنشأتها كما فعلت وتفعل في مشاريع أخرى، وقد عرفت أن هذه المدارس أو بعضها قد يخصص جزء من ميزانياتها البسيطة للتعاقد أو الاتفاق مع عمال يقومون بدور النظافة وإصلاح ما يقدرون عليه في ظل بيئة تعليمية لم يكتمل وعي كثير من طلبتها بعد!
غير أن ما هو أهم، من وجهة نظري، هو المجمع الطبي لأنه يتعلق بصحة الناس، وليس هناك أغلى من الصحة والحياة فمن أحيا نفسا فكأنما أحيا الناس جميعا، وهو، أي مشروع ثول الطبي، إنجاز يسجل للقيادة الكريمة التي تهتم بمواطنيها، لكن وزارة الصحة رسبت تماما في القيام بدورها تجاه الأمر الملكي فظل هذا المبنى الجميل بتعدده واتساعه وجاهزيته مغلقا لسنة وأكثر ولولا مجيء الأمير خالد اليوم لافتتاحه لما تم إحياؤه و(جلب) ممرضين وممرضات وأطباء وطبيبات من جدة والأدوية وبعض الموظفين أيضا، لكن لا أحد من أهل ثول يعلم الإجابة: هل سيكون هذا المنظر الذي سيشاهده الأمير اليوم في المجمع الطبي وحتى في السوق التراثي للأسر المنتجة هو شيء مؤقت يستمر إلى انتهاء زيارة الأمير وربما في اليومين التاليين ثم تعود الأمور إلى الإهمال واللامبالاة والنوم الطويل وعدم الاكتراث باحتياجات الناس؟.
أكتب هذا الكلام لأنني أعرف وأثق في مستشار الملك سلمان/ سلمان الحزم والعزم والإنصاف، فله تاريخه المضيء وحاضره المشرق في تطوير الوطن وإنصاف الناس، وليس عندي ثمة شك بأنه سيطلق عاصفة التحول و(التغيير) كي تكنس كل أكوام (التعالي) على الوطن والمواطنين، كيما يستقر الناس ولا تلعب بهم رياح الشكوك!
ماذا لو زار «أبو بندر» ثول أو غيرها كل أسبوع أو كل شهر مثلا؟، حتما ستتحول إلى جنة خضراء!.