-A +A
تشارلي ريز
مزاعم الرئيس بوش بشأن ما سيحدث إذا سحبنا قواتنا من العراق، تشبه، بشكل حرفي تقريباً، كلام الرئيس الأسبق، ريتشارد نيكسون، عندما كان يحاول توضيح السبب الذي يدعونا إلى عدم الانسحاب من فيتنام. لقد قال نيكسون إن الانسحاب المتسرع من شأنه أن يسفر عن «حمام دم» وعن زعزعة الاستقرار في منطقة جنوب- شرق آسيا، كما أنه قد يقوّي من عزيمة أعدائنا، ويؤدي إلى المزيد من الأزمات والحروب، والشيء عينه، يقوله اليوم الرئيس جورج بوش، إذا استبدلنا عبارة جنوب شرق آسيا بعبارة «الشرق الأوسط». لم ينجح نيكسون في تحقيق النصر في فيتنام، بل نجح في تطويل أمدها حتى مصرع 21 ألفاً من الجنود الأمريكيين الشباب، وسط الأدغال وحقول الأرز، وبعد ذلك، انسحبنا، ولم يتحقق شيء من تنبؤات أو توقعات نيكسون. ولمزيد من المقارنة، فإننا تورطنا في الحرب الفيتنامية لأن الأشخاص المسؤولين عن ذلك، كانوا يجهلون التاريخ، واللغة، والثقافة، بالإضافة إلى أنهم كانوا متغطرسين، ويعتبرون أن قوة النيران الأمريكية والتكنولوجيا يمكن أن تحطم كل الحواجز. غير أن الفيتناميين كانوا قادرين على إلحاق الهزيمة بنا، رغم تفوقنا في قوة النيران والتكنولوجيا، لأنهم كانوا يقاتلون داخل أراضيهم، ولأننا كنا قوات اجتياح غريبة. وكان السكان إلى جانبهم، وليس إلى جانبنا، وكانوا يعرفون أنهم قادرون على هزيمتنا، كما كانوا مستعدين للتضحية بالملايين منهم، على عكس ما كنا عليه نحن. أما الرئيس الأمريكي الحالي، الذي يبدو أنه يتقن فن الإنكار، فقد رفض دائماً الاعتراف بالواقع بأن معظم المعارضة لاحتلالنا للعراق تصدر، بكل بساطة، عن عراقيين لا يريدون أجانب يحتلون بلادهم، وهو، لذلك، حاول دائماً أن يلقي باللائمة على مقاومين أجانب، سواء من القاعدة أو إيران أو سوريا. ومن المؤكد أن ثمة بعض الأجانب في العراق، لكنهم ما كانوا ليصمدوا يومين، لو كانوا غير منخرطين في مقاومة الاحتلال الأمريكي. إن السؤال الذي لم يطرحه الكونغرس بشأن ما يسمى بالاستراتيجية الجديدة للرئيس، بنشر قوات أمريكية حول بغداد وداخلها، هو: ما الذي سيحصل عندما تنسحب هذه القوات كما هو مؤكد؟ إن استراتيجية الرئيس مرتكزة على الافتراض بأننا إذا استطعنا تخفيف وإهماد العنف، فإن السنة والشيعة والأكراد، سوف يتعانقون، ويشكلون حكومة علمانية موحدة. وهذا الافتراض هو افتراض أحمق، لأنه غير قابل للتحقيق، بسبب التراكمات التاريخية والمذهبية والعرقية، بالإضافة إلى نفوذ الدول المجاورة ومصالحها المتضاربة، وسواءً انسحبنا أم بقينا، فإن الاقتتال الداخلي هناك سوف يتواصل، حتى يهيمن طرف أو آخر، على الساحة. وهذا يعني أنه لن تكون هناك ديموقراطية في العراق، والرئيس بوش على خطأ عندما يدّعي أن جميع الشعوب ترغب في الحرية، إنها ترغب أولاً بالبقاء والأمن. وهكذا، فإن الرئيس بوش سوف ينجز الشيء عينه الذي أنجزه الرئيس نيكسون، سوف يقتل المزيد من الأمريكيين، وفي نهاية المطاف، سننسحب من العراق، وليست الخسائر بالأرواح وحدها، هي التي ستدفعنا للخروج، بل هي التكاليف المادية الضخمة، والإهمال الإجباري للقضايا الداخلية المهمة، والانقسامات السياسية داخل الوطن، والتي ستزداد وستتضخم أكثر فأكثر. وإذا كان الشعب الأمريكي يريد الاحتفاظ بشيء من الازدهار ومن الشعور بالأمان، فما عليه إلا البحث عن زعيم آخر لديه، على الأقل، العقل، والملكة الفكرية، لكي يلعب اللعبة الكبرى على خشبة الشطرنج الدولية.
* كاتب أمريكي

ترجمة: جوزيف حرب