-A +A
عبدالعزيز محمد النهاري
في كل مرة يتم القبض على «فاسد» أشعر بأن مستنقعا نتنا قد أغلق، رغم أن مساحة ذلك المستنقع وقوة رائحة «النتانة» التي تخرج منه تختلف تبعا لحالة «الفساد» وحجم مبلغها وثقل وزن فاسدها، وأكثر أشكال الفساد رواجا «الرشوة» بأطرافها، وهي عملية لا أخلاقية قامت على مكافحتها إدارة أمنية كاملة وهيئة حكومية مستقلة، ووجودهما يعني أن هناك حاجة لهما، وأن الأمر يعتبر واقعاً ملموسا سيبقى طالما أن هناك إنسانا ضعيفا، وضميرا ميتا، ونبتا شيطانيا مستمرا. بمعنى أن الحرب على «الفساد» حرب مستمرة لن تتوقف، والمهم في هذه الحرب ليس السلاح والعقوبة، وإنما الاستراتيجية التي لابد أن توضع وتتبع لمواجهة هذه «النتانة» الإنسانية التي تصيب بعض الذين يستسيغون الحرام دون أن يشعروا بفداحة تراكمه وتأثيره على صحتهم، ووضعهم النفسي، وتبعات سلبياته على مستقبل حياتهم. ولا أدري كيف يقبل «الفاسد» حياة الرفاه التي يعيشها وهو يعلم أنها قامت على «سحت» وتحققت عنها أضرار على الوطن والمواطن، ونتج عنها باطل طُمس به حق لإنسان أو مكتسب للوطن، تماما كما يفعل الإرهابي الذي يدمر البلاد ويقتل العباد، أو العدو الذي يتربص بالأمة ويعمل على ترديها وضعفها.
استراتيجية مكافحة الفساد من وجهة نظري لابد أن تخرج من عباءة «الإنشاء» إلى فحص وبحث كل المسببات والمداخل التي ينفذ منها الفاسدون «المرتشون» وتعطل مصالح «الراشين» وتنعش سوق الوسطاء «الرائشين» ومن ذلك مراجعة الأنظمة، وإعطاء «الأمان» لمن ضاقوا ذرعا بالفاسدين، وضمان استمرار مصالح الناس عندما يكشفون «المرتشين» ومساعديهم. فصاحب المصلحة لن يجد بداً من التجاوب مع أي «فاسد» إذا وجد أن مصالحه سوف تتعطل وسيكون تعاونه مع الجهات المسؤولة عن كشف الفاسدين مكافحة الفساد وبالا عليه.

مكافحة الفساد عملية ليست معقدة لكنها تحتاج إلى فكر ودراسة وعلاج من الجذور.