-A +A
عبدالرحمن الطريري
شهدت مدينة الملك خالد العسكرية بمدينة حفر الباطن شمال المملكة خلال الأيام القليلة الماضية، توافد جيوش 20 دولة عربية وإسلامية، إضافة إلى قوات درع الجزيرة، هذه القوات تشتمل على قوات برية وبحرية وجوية، والقوات الجوية ستكون آخر القوات التحاقا عند 23 و24 من فبراير الجاري، حيث تبدأ التدريبات في 25 فبراير، كأكبر تدريب عسكري تشهده المنطقة من حيث عدد القوات وتنوعها.
في هذا التدريب، تقدم السعودية رسائل عدة للقوى الغربية، التي رسمت مخططا للمنطقة بدءا من 2003، وعملت على الاستفادة من كل الأحداث التي تلت، حيث ضغطت بدءا من 2004 على الدول العربية لما سمي وقتها نشر الديموقراطية، وتخفيف القيود التي كانت تمارسها بعض الدول حول مشاركة الإسلاميين في الانتخابات، هذا الضعط من إدارة بوش على الأنظمة العربية، تلا ما قيل زورا عن زرع الديموقراطية في العراق، بعد اجتثاث نظام البعث الديكتاتوري.

وما حدث في العراق عكس ذلك، فقد تم إفشال موضوع الدولة، وتحويل العراق لبلد تمزقه الميليشيات وتتحكم فيه، بإدارة من إيران تسهل لها التواصل مع سورية وحزب الله، والاستفادة من العراق في تعويض فترة العقوبات، لكن الولايات المتحدة تحديدا وعلى النقيض كانت دوما تتجنب الضغط على إيران، على مستوى تقديم ممارسة ديموقراطية مقبولة، لا تقصي أغلب الإصلاحيين، ولنا في الثورة الخضراء في 2009 خير مثال، حيث قمع الحرس الثوري المتظاهرين وقطع الكهرباء والإنترنت، ولكن لم يكن ضغط الإدارة الأمريكية بنفس الدرجة التي ضغطت بها على مبارك 2011 ليتنحى.
هذه الأجواء دفعت في بدايتها دول الخليج للتقوقع قليلا، تحديدا في الفترة من 2001 إلى 2010، ولكن مع الوقت اتضح أن السعودية لن تسمح أن يتهدد الأمن القومي لها، عبر التهديد الذي بدأت تشكله الخطط الغربية في المنطقة، وربما كان الإنذار الوحيد الذي لم تنتبه له الدول العربية هو تقسيم السودان، لكن عاصفة «الربيع العربي» أدت لوضوح الرؤية أكثر، خصوصا مع ما عانته بعض الدول من الفشل في تغيير النظام بسلمية، أو تماسك مؤسسات الدولة على أقل تقدير.
المشروع الفارسي كان يحلم بإعادة الامبراطورية عبر الاستثمار في الحوثيين في اليمن، وكذلك الاستعانة بالرغبات الانتقامية للرئيس علي عبدالله صالح، أما سورية فمثلت استنزافا كبيرا لإيران وللميليشيات الشيعية مع وصول الأزمة لعامها الخامس، لكنها ظلت عصب المشروع الإيراني، لأن خروج روسيا من سيطرة إيران، يعني قطع الصلة بين حزب الله والعراق فإيران بالنتيجة.
ومنذ دخول داعش للعراق وإيران تعمل على تحويل العراق إلى خطر وجودي على السعودية، اتضح هذا عبر التغيير الديموغرافي في المناطق التي تفصل بين الحدود العراقية الإيرانية والعاصمة بغداد، خصوصا مديني «ديالى» و«بعقوبة»، وما تم من تهجير للسنة في المناطق السنية غرب العراق خصوصا في «الأنبار»، وشهدت الشهور القليلة الماضية دخول أكثر من مليون إيراني دون هويات للعراق، لكي يتم توطينهم في العراق وخصوصا في المناطق الحدودية مع السعودية، بالإضافة لنشر ميليشيات في منطقة الرطبة جنوب الأنبار، لتمثل تهديدا للحدود مع السعودية والأردن.
وبالتالي السعودية في تحالفها مع تركيا ونشر طائراتها في قاعدة انجرليك التركية، تسعى لإيقاف المشروع الروسي والذي تم بمباركة إسرائيلية، وهو مشروع صوملة سورية كما ذكر تسريب للقاء الذي جمع نتنياهو ببوتين العام الماضي، لأن بقاء سورية أرض قتال أو تقسيمها هو السيناريو الأفضل لأمن إسرائيل.
وعبر «رعد الشمال» تؤكد السعودية، أنها جادة في مشروع التحالف الإسلامي، وأنها لن تسمح بأي تهديد لها أو لحلفائها، رعد الشمال وباقي التحركات العسكرية، هو تحرك للأخذ بزمام المبادرة، والتحول إلى دور الفاعل في المشهد الإقليمي، لإحراج روسيا في كذبها حول تدخلها للتصدي للإرهاب، ولإحراج الغرب الذي يتخلى عن المنطقة، ويبقي لديها خيار حماية نفسها بنفسها، أو الاستسلام للمشاريع الغربية والفارسية.