-A +A
حمود أبو طالب
ذات مرة قال الكاتب الصحفي أحمد عدنان عن صديقنا المشترك الكاتب أحمد العرفج أنه يحتاج أحيانا إلى «قوة ردع» للسيطرة على بعض آرائه الحادة وطروحاته العجيبة، وبقيت هذه العبارة عالقة بذاكرتي تبزغ كلما قرأت مقالا أو سمعت قولا للعرفج فيه شيء من الغرابة، كالمقال الذي كتبه في صحيفة عين اليوم يوم السبت الماضي بعنوان «ترحيل اللبنانيين رحمة للعالمين». عامل المعرفة أحمد العرفج اختار نهجا خاصا في الكتابة يبتعد عن السياسة والمواضيع الشائكة التي يتناولها كتاب الصحف، وقد نجح وأجاد في خطه الكتابي وأصبح معروفا به، لكن يبدو أنه حين يخرج عنه «يجيب العيد» كما يقال، ومن وجهة نظري الخاصة أعتقد أنه جاب العيد في مقاله الأخير.
لا شك أنه كتب المقال بدافع حبه لوطنه وتألمه ممن يسيئون أو يتنكرون له، لكن حماسته الشديدة جعلته يتورط في التعميم ويصل إلى حد المطالبة بترحيل كل اللبنانيين من بلدنا، بعد أن أسرف في تهميشهم والانتقاص من قدرهم وكفاءتهم، بل والسخرية منهم ووصف شريحة منهم بما لا يليق كصفة «الدشير»، وكل ذلك من أجل قضية محددة ومعروفة للجميع هي المتعلقة بحزب الله وموقف المملكة من إساءاته لها وتدخلاته البغيضة في شؤون غيره وعمالته السافرة لإيران ومشروعها التخريبي في دول الجوار وغيرها.

كلنا تقريبا كتبنا عن هذا الشأن ولكن في سياقه وإطاره المحدد، وانتقدنا الحكومة اللبنانية التي سمحت له بالعربدة داخل لبنان وخارجه، وقلنا بوضوح شديد إن كل الإجراءات التي اتخذتها المملكة منطقية وموضوعية، ولكن لا الدولة وخطابها الرسمي ولا الكتاب عمموا اللوم على الشعب اللبناني، ناهيكم عن الوصول إلى حد التلميح بأن الإخوة اللبنانيين المقيمين لدينا غير مرغوب فيهم.
لحظات الانفعال تذهب لكنها أحيانا تترك آثارا لا تزول بسهولة، ولنا فقط أن نتخيل شعور شخص لبناني لا ناقة له ولا جمل في تعقيدات السياسة عندما يقرأ كلاما لكاتب يطالب بطرده بسبب أزمة مع فصيل سياسي في بلده أو حتى مع حكومته. يصعب أن نتوقع أن مثل هذا الطرح لن يكون مؤلما له أو أنه لن يسبب احتقانا في نفسه تجاه مجتمعنا، أو أن الشعب اللبناني لن يتعاطف مع مشاعره. التقلبات والأزمات السياسية لها نهاية طالت أو قصرت، وفي هذه المرحلة الحرجة الحساسة الخطيرة التي يمر بها العالم العربي نحن في أشد الحاجة إلى شعور عربي شعبي عام بالأخوة ووحدة الهدف والمصير، بتجاوز الزوابع الموقتة التي يفرح بها ويستثمرها من يسعون حثيثا إلى تشتيت بلداننا وشعوبنا. الحكومات ورجال السياسة يعرفون كيف يديرون ملفاتهم، وحتى إن تأزمت بعض العلاقات السياسية لأي سبب فإن الشعوب يجب أن تحافظ على هدوئها واحترامها لبعضها بعضا، وتكون عاملا مساعدا لتجاوز الأزمات وليس لتعقيدها.
يا صديقي أحمد العرفج، بصدرك الرحب وديموقراطيتك تقبل مني قولي لك إنك لا تمثلني كمواطن سعودي في دعوتك لترحيل اللبنانيين.