-A +A
محمد الساعد
قبل عدة سنوات أجريت حوارا صحفيا مع أمير منطقة سعودية عن الإدارة المحلية، وفي النقاش قلت للأمير هل تعلم يا سمو الأمير أن هناك أربعين ألف سعودي يقيمون بصفة دائمة في دبي؟، جاء سؤالي في سياق عدم وجود متنفس، ولا خيارات ترفيهية تستطيع أن تمارسها العائلة السعودية في وطنها / دون حاجة للتغرب والسفر، لكن الأمير باغتني بسؤال مضاد: ولماذا تعتقد أن أولئك السعوديين هاجروا، كان يقصد الأمير السياسة، وكنت أقصد الحياة.
كنا في العام 2005، وكانت ليبيا تحت حكم القذافي وسورية تئن من حكم الأسد، والعراق يعيش فوضى التدخل الأمريكي، وبقية الدول العربية بين فقيرة وأخرى فاشلة، بينما دول الخليج وعلى رأسها السعودية تعيش في رغد من العيش، إلا أن ذلك الرغد لم يمنع الناس من البحث عن متنفس من «الحياة»، فالشوارع الفسيحة والرواتب المجزية لا تغني عما يعيشونه وأسرهم في إسطنبول ودبي والبحرين والقاهرة من ترفيه بريء.

فقلت له: أجزم أنهم لا يهربون من اضطهاد سياسي، كما بعض جيراننا، فالغالبية غير مهمومة بالسياسة أبدا، فقد استقر النظام في وجدان الناس، وارتضوا طريقته في الحكم.
هم فقط يبحثون عن مواقع للترفيه، عن حديقة عامة لا ينغصها متطفل، عن سينما بريئة ومسرح ثري، أن يستمتعوا ولو قليلا بحفل موسيقي يزيح بعض همومهم يستمعون فيه لمطربيهم الذين غنوا على كل مسارح الأرض إلا مسارحهم.
وأن يكونوا متأكدين أنهم إذا استمعوا لأناشيد طيور الجنة لن يرميهم أحد في جرف سحيق، وأنهم إذا أرسلوا فلذات أكبادهم ليحتفلوا بيومهم الوطني لن يعودوا جثامين باردة بعدما طاردهم مغال لا يؤمن بالوطن أصلا.
وأن يقف الحق والقانون معهم فلا يتسلط عليهم من يطردهم من سوق هو ملك للجميع، أو من يسحل ابنتهم في الشارع لأنها أخذت برأي فقهي يجيز كشف الوجه، هي مطالب مواطن سعودي بسيط، في عصر أضحت مطالب الناس فيه أكثر تعقيدا.
اليوم يناقش مجلس الشورى السعودي لماذا هاجر مليون سعودي إلى الخارج، هم يمثلون على الأقل 5% من إجمالي السعوديين القاطنين على هذه الأرض، وكأن ذلك المجلس الموقر لا يعلم لماذا رحلوا وتركوا وطنهم وذكرياتهم وأهاليهم.
ولكي نؤكد أن ذلك الرقم صحيح بل ربما يتجاوزه بكثير، تصدر البنوك المسؤولة عن رواتب المتقاعدين والتأمينات الاجتماعية 300 ألف حوالة مالية شهرية، تمثل رواتب المتقاعدين الذين يعيشون في مصر لوحدها، ولو افترضنا أن كل متقاعد يعيش معه على الأقل 3 أشخاص من أسرته، فإن عدد السعوديين في مصر لوحدها يصل إلى نحو 900 ألف.
وتقول إحصائية أخرى نشرت في صحف محلية، أن عدد السعوديين الذين يقطنون في الكويت يزيد على 400 ألف مواطن، يضاف إليهم 70 ألفا في الإمارات العربية المتحدة، هذا غير عشرات الآلاف منتشرون بين تركيا والمغرب وإندونيسيا والفلبين وأوربا وأمريكا.
هذا المليون سعودي وأكثر، يضاف إليهم خمسة ملايين مهاجر مؤقت ينفرون مع كل إجازة إلى أصقاع الأرض، ألا يستحقون منا أن نجبر بخواطرهم، وأن نجعل من مجتمعهم بيئة جاذبة تبقيهم بين أحضانه، لا بيئة طاردة، وأن نأخذ رأيهم في أسلوب الحياة التي يحبون ويتمنون أن يعيشوها في مدنهم وأحيائهم، بدلا من «حياة تقليدية» يسيطر عليها اليوم تيار وتفكير واحد.