-A +A
خالد الجارالله (جدة)
الحجازي الراحل فوزي محسون، ألق فني فاخر حرره التاريخ من قيد أزمنته وأطوار تكوينه، ما فتئ شجنه يتهادى على مسامع الذائقة الاستثنائية لأجيال ممتدة لم تسقطه لحظة من قائمة ركائز الفن السعودي وخاصته، ليس لأنه يراقص اللحن على مقامات الحب ويعزفه على وتر الرومانسية فحسب، بل لأنه أفاض بقيمة لحنه الرفيع على حناجر العمالقة وأقلام المبدعين، دون محسوبيات أو ماديات تخدش كبرياء فنه وأصالة أغانيه.
محسون الذي توارى اسمه خلف وهج أعماله الخالدة التي غناها كبار المغنين العرب، لم تكف سيرته عن دق نواقيس الإعجاب في ذاكرة الناس وقلوبهم، كان يراه الراحل طلال مداح قاعدة انطلاق له وجناحا يحلق به في سماء الغناء الرومانسي، فيما وصفته الشاعرة ثريا قابل بأنه مقام فني مستقل وحالة فريدة كانت تتفجر شجنا وإبداعا، ما جعله وهذا الثنائي مثلثا متطابق الأحاسيس ومتماثل العظمة.

قضى «سيد الشجن» كما يعرفه محبوه قبل ثلاثة عقود بعد مسيرة حافلة، كان خلالها محركا لبوصلة الغناء راصدا بمؤشراته الدقيقة اتجاهات الرقي، في وقت لم يسلم وشريكاه طلال مداح وثريا قابل من عراقيل الخصوصية والتشدد والإمكانات، فأوغلوا بإبداعهم طعنا في خاصرة الجمود وامتطوا ركب السامقين في ساحة فنية زخرت بوجود كوكب الشرق وعبدالوهاب ورامي وقباني وغيرهم، وكانت أعمالهم الجماعية ومازالت الأكثر رسوخا في الذاكرة بعد أن جمعهم «عهد الهوى» «من بعد مزح ولعب» وانتهاء بـ «يا حياتي يا عيون».
ساهم فوزي محسون في تأصيل النقاء في الفن السعودي، لم يخطفه بريق الشهرة أو تغريه سلطة ومحبة الناس، آثر أن يكون طلاليا ونأى بنفسه عن الاحتكار، فقدم لفنان العرب محمد عبده أعمالا مميزة ولآخرين. يقول عنه الناقد عبدالله القبيع محسون أيقونة الأصالة في الأغنية الخليجية، يجير له نجاحات الكثير من الأسماء الكبيرة ويكفي أن ذكره يرتبط قطعا بطلال مداح ومحمد عبده والأسماء العزيمة في الفن العربي.
فوزي محسون لعب دورا أساسيا في تشكيل نجومية كثيرين، وإذا ما كانت ثلاثيته مع ثريا قابل وطلال قد خطفت الأضواء في حقبة ما، فإن ثنائيته مع توأمه صالح جلال حملت بعدا آخر وصفها الراحل محمد صادق دياب بأنها توأمة نبعت من عمق المجتمع، وتمخضت عنها أعمال راقية وبنهج مختلف كان حينها غير مسبوق من بينها «سبحانو وقدروا عليه، متعدي وعابر سبيل، يا نايم الليل الطويل».
فوزي الذي يحمل كل هذا العبق التاريخي مازالت أعماله تفوح برائحة الأمس وتسكن كتب المؤرخين، دون أن يطالها اهتمام التقنية أو ينالها نصيب التوثيق الحديث الذي يليق بها.