-A +A
عبداللطيف الضويحي
لم تكن المدة طويلة لتفصل بين زلزال تقارير اليونسكو حينذاك حول تدني الحركة الثقافية والقراءة في العالم العربي وبين تلك الطوابير الممتدة أمام معرض الكتاب في الرياض ومعرض الكتاب في جدة وفي غيرهما من عواصم الكتاب العربية. كان يجب ألا تصدمنا تلك التقارير القاتمة عن مستوى القراءة بين شعوبنا، فنحن نعرف بالمشاهدة والملاحظة حجم القطيعة مع الكتاب بين شرائح مجتمعاتنا العمرية المختلفة في محيطنا الاجتماعي ومحيطنا المهني. فالكثيرون منا يدركون بالملاحظة اليومية الجفوة بيننا وبين الكتاب والفجوة بيننا وبين القراءة. وليس ببعيد عن تلك التقارير ربما تلك المشاهد لطلاب التعليم العام وهم يمزقون كتبهم المدرسية نهاية كل فصل دراسي بشيء من الانتصار والانتقام من القراءة والكتاب والمدرسة والتعليم وكل ما له صلة بعالمهم. وليس ببعيد عن ذات الصورة القاتمة، السبات العميق الذي تغط به الأندية الأدبية عندنا ما بين صراعاتها الإدارية الاجتماعية وما بين عزوف الشباب عن التفاعل معها وهو ما جعل تلك الأندية والحركة الثقافية ربما على هامش الهامش لحياة الناس والمجتمع.
كما أن ذاكرة البعض منا تسعفه جيدا ليتذكر بمرارة قصص السرقات الأدبية والعلمية والتي كان أبطالها طلاب وأساتذة جامعات ووعاظ ومصلحين، وهذا يؤكد هشاشة عظام الثقافة لدينا ودليل على حجم الكارثة الثقافية التي تحدثت عنها حينئذ تقارير بعض المنظمات الدولية والإقليمية منها أن الفرد في العالم العربي (يقرأ 6 دقائق في السنة) وأن معدل نشر الكتب يساوي (كتاب واحد لكل ربع مليون نسمة) في العالم العربي.

لكن علينا ألا نغفل عن أن تحولاً ما حصل على ما يبدو بين الشباب والشابات في إقبالهم المنقطع على معارض الكتاب سواء في معرض الرياض أو معرض جدة للكتاب أو تلك المعارض التي تشهدها بيروت والقاهرة والشارقة، وهو سلوك قد يؤشر إلى أن المشهد الثقافي العربي يتعافى على الأقل ويستعيد شيئا من مفهوم أمة «اقرأ».
معارض الكتاب التي زرتها شخصيا في السنوات الأخيرة، خاصة معرض الرياض ومعرض بيروت ومعرض البحرين ومعرض الشارقة أصبحت محطات مهمة وهي تتحسن بشكل لافت ومتسارع وواعد. أصبح لدى البعض هدف بجدول زمني لمتابعة الحركة الثقافية، لمتابعة قراءة وما تصدره كل عام.
ففي معرض الرياض هذا العام الكل لاحظ تنظيماً غير مسبوق بفضل تراكم الخبرة لدى القائمين على المعرض من وزارة الثقافة والإعلام ومن حيث العناوين التي توفرت ومن حيث عدد دور النشر المشاركة ومن حيث الإقبال على المعرض وأعداد الزوار، لا ننسى أن التعاملات الإلكترونية أسهمت كثيرا باختصار الإجراءات والتعاملات المطولة، وهذا لا يلغي بعض الملاحظات على المعرض ككل والحاجة لمراجعتها باستمرار مثل إجراءات دخول السيارات ودخول الأشخاص ومواقف السيارات وسلسلة البوابات التي كلما وقفت عند إحداها، أحالتك لما يليها من بوابات، بحجة كبار الشخصيات وبطاقات دخول خاصة.
لكن هناك من يقرأ هذا الإقبال على معارض الكتاب وتزايد الزوار كظاهرة التسوق أصبحت سمة المجتمع السعودي، ويجادل بأن الإقبال المتزايد على معارض الكتاب مؤشر استهلاكي لا يختلف عن الإقبال عن التزاحم أمام المطاعم يوم افتتاحها والتخفيضات التي تعلن عنها بعض المحلات التجارية والمولات ومراكز التسوق، فلا تعكس انتعاشا حقيقيا للحياة الثقافية المحلية وليست مؤشرا على ارتفاع أسهم القراءة، فيما يجادل البعض بقراءته لهذه الظاهرة بأنها لا تتعدى كونها وجاهة اجتماعية تلتقي بما يسمى «المهايط والهياط» الاجتماعي، خاصة مع توفر وسائل «المهايط والهياط» مثل سناب شات وانستقرام وتويتر وغيرها، أو هو تعويض يمارسه البعض ربما تعويضا عن أمية القراءة وأمية الكتاب لدى هذا البعض سواء بعقلهم الواعي أو بعقلهم غير الواعي.
يذهب البعض إلى القول بأن تأليف الكتاب أصبح أسهل من قراءة كتاب لدى جيل سناب شات وغيره، وبالأصح أن قراءة كتاب أصعب من تأليف كتاب. فقد تكون ظاهرة تأليف الكتاب وتوقيع الكتاب في معرض الكتاب موضة لا تختلف عن ظاهرة المتابعين في تويتر وغيره من وسائل التواصل الاجتماعي لا تهتم بالمحتوى والثقافة والفكر بقدر ما تهتم بالطقوس الاجتماعية والإعلامية المصاحبة لتوقيع الكتاب والنجومية الاجتماعية والافتراضية على حد سواء.
أخيرا لكي لا نتمادى بالتخمينات والتكهنات التي نطلقها من حين لآخر في وصف هذه الظاهرة أو تلك، وبدلا من الرجوع إلى معلومات قديمة ربما أو تقادمت منهجياتها حول تدني مستوى قراءة الفرد في عالمنا العربي أو غيرها، أرى الحاجة لابتكار آلية تربط معرض الكتاب بتحصيل طلاب المدارس، كما أنني أرى الحاجة ماسة لتطوير مؤشرات من معرض الكتاب ومن غيره للوقوف على من نحن وماذا نقرأ وكم نقرأ ولماذا نقرأ.