يشتكي عامة الناس من مظاهر التجارة سواء الغلاء أو الاحتكار أو الاستغلال أو الغش التجاري، وفي أدبياتنا عادة ما يتم إرجاع أسباب هذه الظواهر المتفاقمة إلى أسباب مباشرة كالجشع وغياب الرقابة مثلا دون التوغل في أطر ومكونات البيئة التجارية التي ترعرعت هذه الظواهر في كنفها، وبالتالي عدم النجاح في إيجاد الحلول لأنها كانت أعراضا لمرض أكبر يتعلق ببيئة الأنظمة التجارية التي تشكل الحاضنة الرئيسية لأطر ومكونات التجارة عموما، فلو ألقينا نظرة على هذه الأنظمة التجارية لوجدناها مشتتة ومبعثرة وناقصة، فالبعض منها قديم والبعض الآخر يتضارب مع أنظمة تجارية أخرى والبعض شاغر ولم يصدر بعد لاستكمال هذه الدائرة التشريعية وهذا ما يتطلب إعادة إنتاج كل هذه الأنظمة الرئيسية والفرعية في نظام موحد ووضع نظرية عامة للالتزامات التجارية، فنظام الوكالات التجارية العتيد يحتاج مثلا إلى أحكام تفصيلية تشمل الوكالة التجارية ووكالة العقود والممثل التجاري، ونظام مكافحة الغش التجاري يحتاج إلى تفعيل لإعطائه حجية مطلقة وليست نسبية ونظام الأوراق التجارية يحتاج إلى تحديث، مع معالجة عامة لأوجه التضارب في مرجعيات الأنظمة التجارية لعدم وجود سياسة تشريعية موحدة تربط فيما بينها ومدى الحاجة لاستكمال مكونات هذه المنظومة كإصدار نظام تجاري مستقل للتحكيم التجاري وتفعيل التحكيم المؤسسي، وذلك من خلال إقامة مركز سعودي حديث ومستقل للتحكيم وهكذا مع اعتماد النصوص الواردة في مشروع قانون التجارة الموحد لدول مجلس التعاون الخليجي وحجية الدفاتر التجارية الواردة فيه وإيجاد آليات لتطبيق النصوص والأحكام في هذه اللوائح التجارية وضرورة توحيد هذه الأنظمة التجارية تحت نظام تجاري سعودي واحد لتحقيق التكامل وعدم التضارب مع توحيد المرجعيات التشريعية والقانونية، أما ما هو أهم في بنية وهياكل التشريعات التجارية أجمع وهو القضاء التجاري منذ إلغاء المحكمة التجارية والمجلس التجاري إلى حين إقامة لجان وهيئات (قضائية) بديلة كهيئة فض المنازعات التجارية ولجنة الأوراق التجارية وعدم تكامل منظومة وهياكل ومرجعيات هذه التشريعات القضائية التجارية في إطار قضائي واضح المعالم، فهذا ما سيكون عنوان المقال القادم بحول الله.