في الوقت الذي تبذل الحكومة جهودا ملموسة ومقدرة لتنمية مصادر بديلة للإيرادات والحد من الآثار المترتبة على تراجع أسعار البترول، تقوم بعض الأجهزة الحكومية باتخاذ قرارات من شأنها تقويض بعض الجهود الرامية لتحقيق ذلك الهدف الاستراتيجي! ومن تلك الجهات هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر التي قامت أخيراً بإجراء متسرع تنقصه الحنكة هو إغلاق مسجد الأحزاب، والأربعة مساجد المتبقية من المساجد السبعة في المدينة المنورة! وفي تقديري فإن ما أقدمت عليه الهيئة هو اجتهاد غير مدروس جيدا؛ كونه يؤثر سلبا على جهود التنويع الاقتصادي في وقت نحن أحوج ما نكون إليه! وكان مما ضاعف استياء الرأي العام من الموضوع هو ذلك التراشق (التصريحاتي) الجدلي الذي دار لاحقا عبر وسائل إعلامنا حول مسؤولية إغلاق تلك المساجد، حيث أقرت (الهيئة) بداية بقيامها بذلك الإجراء ثم عادت وأنكرته! في حين أكدت الهيئة العامة للسياحة والتراث الوطني مسؤولية (الهيئة) عن الإغلاق، ما حدث هو مؤشر إضافي على حجم التحديات التي تكتنف استثمار مقوماتنا الاقتصادية ومنها السياحة، لذلك فإن موقف (الهيئة) من الآثار عموما، ومن السياحة الدينية على وجه التحديد، هو أمر غير مفهوم للبعض؛ وأنا منهم، وهذا بدوره يطرح بعض التساؤلات ومنها:
أولا: إلى متى ستستمر هذه النظرة (غير الودية) التي تنظر بها هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وشريحة عريضة ممن يمكن أن يطلق عليهم وصف (المحافظين)، تجاه الآثار؟ خصوصا ذات الطابع الديني منها؟
ثانيا: ما هي أسباب هذا التراخي الملحوظ من بعض الجهات في التعامل مع موقف (متشدد) كهذا؟! وهل يمكن اعتباره تأييدا أو توافقا في الرأي مع موقف (الهيئة) من الآثار الدينية؟ أم أنه مجرد تشاغل أو عدم اكتراث؟!
وفي ضوء ما تقدم، أرجو أن تكتفي (الهيئة) بدورها (التوعوي) الديني المشكور، وأن تتوقف عن التدخل في اختصاصات غيرها من الهيئات الحكومية (المتخصصة)، لا سيما عندما يتعلق الأمر بالقضايا الاقتصادية التي يديرها بكفاءة مجلس الشؤون الاقتصادية والتنمية، وأن تبادر إلى إعادة النظر في موقفها التقليدي وغير المبرر من السياحة الدينية؛ ليس ذلك فحسب بل إن الكثير من المواطنين، والاقتصاديين منهم خصوصا، ينتظرون من (الهيئة) زيادة تفعيل دورها (الاحتسابي) بمساندتها لجهود الحكومة في دعم السياحة، عوضا عن أن تكون حجر عثرة أمام مبادرات إبداعية، تحاول أجهزة حكومية (شقيقة وناشطة) مثل الهيئة العامة للسياحة تنفيذها، ومن المؤمل أن تؤدي لزيادة مساهمة القطاع السياحي في الناتج الإجمالي المحلي إلى 18% عام 2020م، فضلا عن توظيف عشرات الآلاف من شباب الوطن الباحثين عن فرص أعمال. وإذا كان هناك قبول ضمني من شريحة مجتمعية تناصر تقليديا مواقف وممارسات (الهيئة)، خصوصا عندما يتعلق الأمر بالجوانب الأخلاقية والسلوكية (رغم كون الكثير منها موضع خلافات فقهية قديمة ومعتبرة)، فإن الأمر يختلف تماما عندما تصبح (الهيئة) عائقا أمام مبادرات نمو اقتصادنا بدلا من أن تساعد في تحقيق هذا التوجه، ولو من باب الاحتساب؛ لأن السياحة (الدينية) حتما لا تنطوي على تجاوزات أخلاقية مما تخشاه (الهيئة)، فضلا عن أنها يمكن أن تشكل مصدرا حيويا لدخل المملكة؛ فقط لو أحسنا استثمارها بعيدا عن محاولات إقحامها في دوامة الاجتهاد الفقهي. أخيرا، فإن الحجة التي تتداول عن موقف (الهيئة) من المواقع والآثار الدينية، ترتبط على الدوام بالباب الشهير في الفقه الإسلامي وهو (سد الذرائع)، وذلك خوفا من مظنة ارتكاب السياح بدعا وخرافات تنطوي على أعمال شركية تتنافى مع سلامة العقيدة، وهو قول مردود لأسباب عديدة، أبرزها:
1- أن (الهيئة) ليست مكلفة بهداية الناس (إنك لا تهدي من أحببت) الآية، وإنما يجب أن يقتصر دورها على التوعية؛ وهذا يعيدنا لمطلب تقنين دور (الهيئة) بوضوح.
2- أن زيارة المسلمين لآثارنا الإسلامية كفيلة بتعميق إيمانهم، وتقوية ارتباطهم بعقيدتهم، وزيادة محبتهم لبلادنا الغالية.
3- أن هدم الآثار أو طمسها أو إغلاقها لم ينجح قط (تاريخيا) في صرف الناس عنها، أو جعلهم ينسون أماكنها وما ارتبطت به من مواقف وأحداث عظيمة، استقرت في وجدان الناس.
ختاما، لدي قناعة شديدة بأنه رغم كل المحاولات الهادفة لعرقلة السياحة الدينية السعودية، ستظل المملكة بما حباها الله من بقاع مقدسة ومعالم دينية حصرية، مقصدا سياحيا دوليا من الصعب منافسته؛ لو وجد الدعم والاهتمام اللازمين، إضافة إلى أن له أبعاده السياسية والحضارية والتاريخية الهامة، وسيخسر كل من يحاول أن يجادل أو يقفز على هذه الحقيقة؛ كون مقوماتنا السياحية التي تضم أكثر من 6300 موقع أثري (تاريخي وديني)، تنطوي على منافع ثقافية وبيئية وتراثية، بالإضافة لأثرها الاقتصادي المؤكد، فضلا عن كونها محركا لعدد من القطاعات غير النفطية، تشمل النقل والتموين والفندقة وبيع الهدايا.
وستبقى آثارنا الدينية، خصوصا في المدينتين المقدستين، مكة المكرمة والمدينة المنورة هي المقصد الأكثر جذبا للسياح المسلمين الذين يستأثرون حاليا بنحو 95% من هذا القطاع، نظرا لمحدودية المقومات والحوافز اللازمة لنمو أنواع السياحة الأخرى كالترفيهية والعلاجية والبيئية والتسويقية والمؤتمراتية. لكل ما تقدم أدعو (هيئتنا) الموقرة لمراجعة موقفها (الملتبس) من السياحة الدينية لكي يظل الحجاج والمعتمرون والزوار النسبة الأكبر من السياح في المملكة (بعد أدائهم لمناسكهم)، لا سيما أن أعدادهم تتزايد عاما بعد عام، ولعل هذا هو أحد أوجه تفسير قوله تعالى في محكم التنزيل (وإذ قال إبراهيم رب اجعل هذا بلدا آمنا وارزق أهله من الثمرات).
أولا: إلى متى ستستمر هذه النظرة (غير الودية) التي تنظر بها هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وشريحة عريضة ممن يمكن أن يطلق عليهم وصف (المحافظين)، تجاه الآثار؟ خصوصا ذات الطابع الديني منها؟
ثانيا: ما هي أسباب هذا التراخي الملحوظ من بعض الجهات في التعامل مع موقف (متشدد) كهذا؟! وهل يمكن اعتباره تأييدا أو توافقا في الرأي مع موقف (الهيئة) من الآثار الدينية؟ أم أنه مجرد تشاغل أو عدم اكتراث؟!
وفي ضوء ما تقدم، أرجو أن تكتفي (الهيئة) بدورها (التوعوي) الديني المشكور، وأن تتوقف عن التدخل في اختصاصات غيرها من الهيئات الحكومية (المتخصصة)، لا سيما عندما يتعلق الأمر بالقضايا الاقتصادية التي يديرها بكفاءة مجلس الشؤون الاقتصادية والتنمية، وأن تبادر إلى إعادة النظر في موقفها التقليدي وغير المبرر من السياحة الدينية؛ ليس ذلك فحسب بل إن الكثير من المواطنين، والاقتصاديين منهم خصوصا، ينتظرون من (الهيئة) زيادة تفعيل دورها (الاحتسابي) بمساندتها لجهود الحكومة في دعم السياحة، عوضا عن أن تكون حجر عثرة أمام مبادرات إبداعية، تحاول أجهزة حكومية (شقيقة وناشطة) مثل الهيئة العامة للسياحة تنفيذها، ومن المؤمل أن تؤدي لزيادة مساهمة القطاع السياحي في الناتج الإجمالي المحلي إلى 18% عام 2020م، فضلا عن توظيف عشرات الآلاف من شباب الوطن الباحثين عن فرص أعمال. وإذا كان هناك قبول ضمني من شريحة مجتمعية تناصر تقليديا مواقف وممارسات (الهيئة)، خصوصا عندما يتعلق الأمر بالجوانب الأخلاقية والسلوكية (رغم كون الكثير منها موضع خلافات فقهية قديمة ومعتبرة)، فإن الأمر يختلف تماما عندما تصبح (الهيئة) عائقا أمام مبادرات نمو اقتصادنا بدلا من أن تساعد في تحقيق هذا التوجه، ولو من باب الاحتساب؛ لأن السياحة (الدينية) حتما لا تنطوي على تجاوزات أخلاقية مما تخشاه (الهيئة)، فضلا عن أنها يمكن أن تشكل مصدرا حيويا لدخل المملكة؛ فقط لو أحسنا استثمارها بعيدا عن محاولات إقحامها في دوامة الاجتهاد الفقهي. أخيرا، فإن الحجة التي تتداول عن موقف (الهيئة) من المواقع والآثار الدينية، ترتبط على الدوام بالباب الشهير في الفقه الإسلامي وهو (سد الذرائع)، وذلك خوفا من مظنة ارتكاب السياح بدعا وخرافات تنطوي على أعمال شركية تتنافى مع سلامة العقيدة، وهو قول مردود لأسباب عديدة، أبرزها:
1- أن (الهيئة) ليست مكلفة بهداية الناس (إنك لا تهدي من أحببت) الآية، وإنما يجب أن يقتصر دورها على التوعية؛ وهذا يعيدنا لمطلب تقنين دور (الهيئة) بوضوح.
2- أن زيارة المسلمين لآثارنا الإسلامية كفيلة بتعميق إيمانهم، وتقوية ارتباطهم بعقيدتهم، وزيادة محبتهم لبلادنا الغالية.
3- أن هدم الآثار أو طمسها أو إغلاقها لم ينجح قط (تاريخيا) في صرف الناس عنها، أو جعلهم ينسون أماكنها وما ارتبطت به من مواقف وأحداث عظيمة، استقرت في وجدان الناس.
ختاما، لدي قناعة شديدة بأنه رغم كل المحاولات الهادفة لعرقلة السياحة الدينية السعودية، ستظل المملكة بما حباها الله من بقاع مقدسة ومعالم دينية حصرية، مقصدا سياحيا دوليا من الصعب منافسته؛ لو وجد الدعم والاهتمام اللازمين، إضافة إلى أن له أبعاده السياسية والحضارية والتاريخية الهامة، وسيخسر كل من يحاول أن يجادل أو يقفز على هذه الحقيقة؛ كون مقوماتنا السياحية التي تضم أكثر من 6300 موقع أثري (تاريخي وديني)، تنطوي على منافع ثقافية وبيئية وتراثية، بالإضافة لأثرها الاقتصادي المؤكد، فضلا عن كونها محركا لعدد من القطاعات غير النفطية، تشمل النقل والتموين والفندقة وبيع الهدايا.
وستبقى آثارنا الدينية، خصوصا في المدينتين المقدستين، مكة المكرمة والمدينة المنورة هي المقصد الأكثر جذبا للسياح المسلمين الذين يستأثرون حاليا بنحو 95% من هذا القطاع، نظرا لمحدودية المقومات والحوافز اللازمة لنمو أنواع السياحة الأخرى كالترفيهية والعلاجية والبيئية والتسويقية والمؤتمراتية. لكل ما تقدم أدعو (هيئتنا) الموقرة لمراجعة موقفها (الملتبس) من السياحة الدينية لكي يظل الحجاج والمعتمرون والزوار النسبة الأكبر من السياح في المملكة (بعد أدائهم لمناسكهم)، لا سيما أن أعدادهم تتزايد عاما بعد عام، ولعل هذا هو أحد أوجه تفسير قوله تعالى في محكم التنزيل (وإذ قال إبراهيم رب اجعل هذا بلدا آمنا وارزق أهله من الثمرات).