اختتمت أخيرا المناورات العسكرية رعد الشمال في القاعدة العسكرية بمدينة حفر الباطن، والتي استمرت (18) يوما برعاية خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز وحضور عدد من زعماء العالمين العربي والإسلامي.
وتعد المناورات أكبر تمرين عسكري تشهده منطقة الشرق الأوسط منذ عاصفة الصحراء عام 1990م وبمشاركة قوات (20) دولة عربية وإسلامية وذلك في إطار التحالف العسكري الإسلامي ضد الإرهاب الذي أعلنت المملكة عن تشكيله في شهر ديسمبر الماضي ويشمل (44) دولة عربية وإسلامية.
وقد بلغ عدد القوات العسكرية المشاركة (300) ألف جندي ، و(300) طائرة ومئات الدبابات والقطع البحرية، واستخدام أحدث الأسلحة القتالية ووسائل الدعم العسكري. فأهداف هذه المناورات تتلخص في:
(1) رفع الجاهزية القتالية للجيوش العربية والإسلامية لمواجهة التحديات التي تهدد المنطقة، وبما يحقق أمنها واستقرارها وسلامة شعوبها. (2) التدرب على التصدي للقوات غير النظامية والتنظيمات الإرهابية ومسلحيها بشكل فعال. (3) إظهار تضامن الدول المشاركة في المناورات والتزامها واتفاقها فيما بينها بأمن واستقرار المنطقة ووقوفها مع قيادة السعودية لحل ما تواجهه من تحديات بسواعد أبنائها وقدراتهم.
(4) تعزيز الثقة في قدرات القوات المشاركة في المناورات للدفاع عن شعوبها ضد احتمال أي هجوم من أي جهة كانت.
ولا شك بأن مناورات رعد الشمال هي رسالة واضحة ومدوية من كافة الدول المشاركة وتحذير لكل من يفكر العبث بالمنطقة ونشر الفوضى فيها بأن دول المنطقة وشركاءها من الدول الإسلامية قادرة على الحفاظ على أمنها واستقرارها، وإبعاد كل يد آثمة تمتد إلى شعوب هذه الدول بالأذى ونشر الفتنة والانشقاق والتشرذم بين أبنائه.
كما أن مناورات رعد الشمال بمثابة طوق النجاة للمنطقة لإعادة الأمور فيها إلى نصابها الصحيح بعيدا عن أية إملاءات خارجية أو إقليمية، إما تدخلا سياسيا في شؤونها أو عسكريا عبر وكلاء لسلب سيادتها وقرارها من أبنائها ووضعهم تحت وصاية قوى إقليمية لا هم لها سوى الهيمنة والسيطرة على الشعوب والتدخل الصارخ في شؤونهم وإخضاعهم وتدمير مقدراتهم وسلب ثرواتهم كما هو حاصل في بعض الدول العربية وذلك في انتهاك صارخ لكافة المواثيق والأعراف الإسلامية والدولية. وكل ذلك يتم تحت مرأى ومسمع المجتمع الدولي الذي أصبح عاجزا عن قول الحق واتخاذ موقف صارم ورادع أمام مثل هذه التدخلات.
وإذا كان الإرهاب انتشر في بعض دول المنطقة بشكل غير مسبوق وأصبح يهدد الأمن والسلم الدوليين، فإن إرادة الأمة الإسلامية تفرض علينا التعامل بكل حزم وقوة لمواجهة هذه الآفة البغيضة والتصدي لكل من يغذي جذوتها سواء بالتمويل أو بالدعم السياسي أو العسكري. والمملكة العربية السعودية التي انطلقت منها الرسالة المحمدية والدين الإسلامي، وبحكمة قيادتها المتمثلة في خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز وسمو ولي العهد وسمو ولي ولي العهد، آلت على نفسها بأن لا تترك بابا إلا وطرقته من أجل حشد الجهود وتكثيفها على كافة الأصعدة لمحاربة الإرهاب الذي لا يمثل خطرا على المنطقة بل على العالم أجمع. فمنذ انعقاد المؤتمر الدولي لمكافحة الإرهاب في الرياض عام 2005م وحكومة المملكة لم تتوان عن دعم أي جهد في سبيل تخليص العالم من الإرهاب وشروره، ولعل من أهم وأبرز هذه الجهود هو تأسيس التحالف الإسلامي العسكري لمحاربة التنظيمات الإرهابية والذي نرى ثماره في اختتام مناورات رعد الشمال. إن الأمة الإسلامية أمام مرحلة تاريخية من عمرها، مرحلة سيحكم علينا من خلالها أبناؤنا وأحفادنا ماذا فعلنا لأجل تأمين مستقبلهم؟ وكيف سنترك ذكرانا في عقولهم؟ ولماذا تركناهم في بحر الإرهاب يغرقون؟ ولماذا لم نقم بعمل فعال من أجل التصدي لمن يبث الطائفية والمذهبية والفتنة والانشقاق بين أبناء الأمة الإسلامية؟
ولماذا تركنا ديننا الإسلامي الحنيف يختطف من قبل جماعات ودول لا هم لها سوى الاقتيات على جثث الشعوب وسلبهم أبناءهم واستخدامهم حطبا لإشعال حقدهم الدفين؟ أليس من المنطق أن نكف أيديهم عن التلاعب بمصيرنا؟ أليس من الضروري استعادة سماحة ديننا الإسلامي من أيدي هؤلاء الإرهابيين وتخليص أمتنا من شرورهم؟ لقد حان الوقت لنعمل يدا واحدة وصفا متماسكا في وجه كل من يحاول أن يشق صف الأمة الإسلامية ويخرج عن إجماعها، ولتبقى هذه الأمة خير أمة أخرجت للناس، معتصمة بحبل الله، متماسكة، وأن نكون كالجسد الواحد الذي إذا اشتكى منه عضو تداعت له بقية الأعضاء بالسهر والحمى.
* السفير السعودي في تركيا