-A +A
طارق على فدعق
يطلق هذا المصطلح الحجازي القديم على السفن والقوارب الضخمة. وبعض «البوابير» تحتوي على الأسرار العجيبة. واكتشفت أن أحد أغرب تلك الأسرار بداخل بابور يقع في قاع البحر الأبيض المتوسط منذ 72 سنة تقريبا... وتحديدا فهو مستقر على عمق حوالى ثلاثمائة متر قبالة شاطئ مدينة يافا في فلسطين. البابور اسمه «الطللينا» على وزن «الطلي لنا» وكان هذا هو الاسم الحركي للمدعو «جابونيتسكي» وهو من مؤسسي الذراع الإرهابية الحربية الصهيونية المتطرفة الشهيرة باسم «الإيرجون» أي «المنظمة العسكرية الوطنية». وسره يكمن في ما يعكس من واقعة مهمة جدا في التاريخ كادت تؤدي إلى اندلاع حرب أهلية إسرائيلية، وكانت أول مرة في التاريخ الحديث يتم فيها رفع السلاح من صهيوني ضد صهيوني للقتل، وإليكم بعض التفاصيل: عند اشتعال الحرب العالمية الثانية في عام 1939 وجد اليهود في فلسطين أنفسهم أمام خيارات صعبة جدا وأهمها كان مأساة اختيار ولائهم... فهل يقفون مع إنجلترا التي كانت تحتل فلسطين في تلك الفترة؟ أم يقفون مع ألمانيا ضد إنجلترا ويخرج يهود ألمانيا في هجرة كبرى إلى فلسطين؟ اتضح أن فكرة التعاون مع ألمانيا كانت غير مدروسة، بل وكانت ساذجة لأن برامج إبادة اليهود هناك كانت نشطة. ولذا فتم اختيار أهون الشرين وأصبح ولاء الصهاينة لإنجلترا. وبعد اندلاع حرب 1948 بين العرب والصهاينة قامت عصابات «الإيرجون» الإرهابية المتطرفة بأعمال وحشية كثيرة ضد الفلسطينيين الأبرياء، وأشهرها مجزرة قرية «دير ياسين» التي ذبحوا فيها حوالى 360 مدنيا آمنا بهدف زرع الإرهاب والتخلص من السكان الأصليين للبلاد. وكان أحد عناصر العنجهية للإيرجون هو عدم تقيدهم بأي أنظمة أو قوانين، حتى قوانين الظلم الصهيونية نفسها التي كونت الكيان الصهيوني... يعني تمرد عصابة «الإريجون» كان يفوق عنجهية الكيان الصهيوني. الشاهد أن البولندي «مناحم بيجن» كان قائد هذه المجموعة المتطرفة. وهذا هو نفس الإرهابي الذي أصبح سادس رئيس وزراء للكيان الصهيوني عام 1977. الشاهد أنه قام بترتيب استيراد حوالى ألف محارب صهيوني مسلح للمساهمة في النشاط الإرهابي ضد العرب في يونيو عام 1948 على أن يتم سفرهم من فرنسا إلى فلسطين على سفينة قديمة اسمها «الطللينا». وللعلم فقد كانت هناك سفن مشابهة تحضر إلى فلسطين بشكل مستمر لإيصال المهاجرين الصهاينة من أوروبا. ولكن هذه السفينة كانت مختلفة لأنها كانت محملة بالمحاربين المسلحين. وأمر رئيس الوزراء آنذاك «دايفد بن جوريون» بإيقاف البابور وعدم نزول المسلحين. وبسبب الخلاف بين «بن جوريون» الذي كان يمثل الحزب اليساري، وبين «بيجن» الذي كان يمثل أقصى اليمين المحافظ نشبت أزمة سياسية تحولت بسرعة إلى أزمة عسكرية فقامت معركة كبيرة أدت إلى مقتل جنديين من الجيش النظامي للكيان.. يعني لا مؤاخذة الإرهابيين النظاميين... و16 من رواد البابور المسلحين... يعني الإرهابيين غير النظاميين. وأصيبت السفينة نفسها أثناء المعركة وغرقت أمام الساحل.
واليوم وبعد كل هذه السنوات لا تزال القصة معروفة بداخل الكيان الصهيوني فقط، لدرجة أن هناك ذكرى داكنة لبعض من شارك في العملية ومنهم وزير الدفاع السابق «موشيه دايان» ورئيس وزراء الكيان السابق إسحق رابين الذي اغتيل على يد أحد المتطرفين الصهاينة عام 1995. وذكر في الأوساط المؤيدة للاغتيال أن قتله كان ضمن الانتقام لمشاركته ضمن قوات الجيش الإسرائيلي ضد السفينة... هناك المزيد لكنني سأتوقف هنا بسبب طول المقال.

أمنيـــــة
تاريخ الصهاينة ملطخ بالدماء، ومسيرة الإرهاب عندهم مشحونة بالقصص العنيفة... أتمنى أن يتذكر التاريخ هذه القصص. وأتمنى أن يدرك كل من يخطط وينفذ العمليات الإرهابية في عالمنا اليوم أنه للأسف قد تجاوز تاريخ اليهود في قتل الأخ لأخيه، وأن الله شاهد على كل هذا، وهو من وراء القصد.