تناثرت أوراق الأزمة السورية، وتعدَّدت التساؤلات حول مبررات الانسحاب العسكري الروسي المفاجئ من سورية وأهدافه، واستمرار المشاركة الروسية الميدانية مع الجيش السوري والقوات الإيرانية وقوات حزب الله، رغم التأكيدات الروسية بأن الانسحاب يأتي بعد أن (أنجزت القوات الروسية مهمتها ورغبةً منها في إنجاح مفاوضات جنيف)! وتأكيدات النظام السوري أن الانسحاب تمّ بتنسيق (روسي سوري)، وقول طهران أنه (يأتي في إطار خطة مسبقة).
يمكن للنقاط الآتية أن تساعد على فك شفرة الانسحاب الغامض:
1. تمكَّنت روسيا بتدخلها العسكري الذي استمر منذ (أكتوبر 2015م) حتى (مارس 2016م) من خَلق الظروف السياسية المناسبة لتحريك عملية تسوية الأزمة السورية، وذلك بإجبار الإدارة الأمريكية على السير وفق نهجها، وإثبات أنها الرقم الصعب الذي لا يمكن تجاوزه عند بحث أي اتفاق سياسي ينهي الصراع في سورية وفقاً لمصالحها العليا أولاً.
2. اقتناع روسيا بأهمية انسحاب قواتها البرية، فاستمرار المقاومة الشعبية وتزايد العمليات الإرهابية في سوريا كان عاملاً مهماً في عدم تمكّنها من حسم الصراع لمصلحة النظام السوري خلال فترة زمنية قصيرة، وخشيتها من الغرق في المستنقع السوري، كما قد يكون لتواجدها انعكاسات سلبية على نتائج الانتخابات البرلمانية والرئاسية لمصلحة المعارضة الروسية.
3. قد تكون هناك صفقة (أمريكية روسية) تتضمن انسحابا روسيا تدريجيا من سورية للضغط على بشار الأسد، مقابل تخلي أمريكا والدول الأوروبية عن إستراتيجيتها القائمة على التوسّع شرقاً نحو شبه جزيرة القرم وأوكرانيا والاعتراف الضمني بأن هذه المنطقة ستظل في نطاق النفوذ الروسي ومظلة أمنها القومي.
ومع تشابك خيوط الأزمة السورية، وتصنيف الجامعة العربية لمنظمة حزب الله اللبناني كمنظمة إرهابية، وظهور وثائق تثبت تورط حزب الله وإيران في تفجيرات برجي التجارة العالميين، وقيام أمريكا بتعزيز علاقاتها مع إيران بعد الاتفاق النووي منتصف (يوليو 2015م)، وضربها لمصالحها التاريخية والإستراتيجية مع حلفائها في المنطقة عرض الحائط، والزيارة المرتقبة للرئيس الأمريكي للرياض في (21 أبريل)، يتضح بأن البيت الأبيض قد أدرك احتمالية فقدانه للكثير من مصالحه نتيجة لسياسته الهادفة إلى تغيير الأنظمة الخليجية بالاستتار خلف (مبادئ احترام حقوق الإنسان وحرية الرأي والتعبير) واعتبارها أساسا لنجاح واستمرار علاقاته المستقبلية مع دول الخليج، وما نتج عن هذه السياسة من انعكاسات سلبية خطيرة على العلاقات التجارية والعسكرية بعد وقف تصدير السلاح للبحرين منذ (2011م) بذريعة إمكانية استخدامه ضد (المعارضين).
وبعد وضوح التعاون الروسي الأمريكي غير المُعلن بشأن القضية السورية، وبعد اتضاح الأهداف الحقيقية للسياسة الأمريكية تجاه دول مجلس التعاون والتي عكستها تصريحات الرئيس أوباما المستفزة ضد السعودية خلال مقابلته الأخيرة مع صحيفة (نيويورك تايمز)، تأتي القمة الخليجية الأمريكية في الرياض التي تهدف إلى تصحيح مسار العلاقات الخليجية الأمريكية، في الوقت الذي تؤكد فيه الكثير من الشواهد على بدء السعودية البحث بشكل جاد عن بدائل جديدة في مسار علاقاتها الإستراتيجية لتحقق أمنها واستقرارها وفقاً لمصالحها العليا.
ولعل زيارة الرئيس أوباما للرياض تكون بادرة جادة لتصحيح مسار السياسة الأمريكية الخرقاء تجاه دول مجلس التعاون المتفاوتة بين دولة وأخرى، فهي متشددة جداً مع مملكة البحرين، ومتأرجحة مع المملكة العربية السعودية بسبب مكانتها وقوتها الاقتصادية الكبرى ونفوذها في العالم العربي والإسلامي الذي انعكس في قيادتها لأهم تحالفين عسكريين في التاريخ الحديث وهما التحالف العربي في (عاصفة الحزم والأمل) والتحالف الإسلامي في (مناورات رعد الشمال).
وفي ظل كل ذلك، نجد أن مراجعة دقيقة للعلاقات الخليجية الأمريكية في ضوء التطورات المتسارعة والتهديدات المحدقة بدول مجلس التعاون تتطلَّب أن تكون لدى مجلس التعاون الخليجي خطة إستراتيجية جديدة وعملية تحكم علاقته مع الولايات المتحدة، ترتكز هذه الإستراتيجية على التوازن، وتقوم على المصالح العليا لدول المجلس، وتبتعد عن سياسة المجاملة والتردد، وتتوقف عن الاعتماد الكلي على الولايات المتحدة كصمام أمن واستقرار للمنطقة، وتفتح صفحة جديدة مع كافة دول العالم التي تحترم سيادة الدول واستقلالها ولا تتدخل في شؤونها الداخلية.
* المحلل السياسي للشؤون الإقليمية ومجلس التعاون
يمكن للنقاط الآتية أن تساعد على فك شفرة الانسحاب الغامض:
1. تمكَّنت روسيا بتدخلها العسكري الذي استمر منذ (أكتوبر 2015م) حتى (مارس 2016م) من خَلق الظروف السياسية المناسبة لتحريك عملية تسوية الأزمة السورية، وذلك بإجبار الإدارة الأمريكية على السير وفق نهجها، وإثبات أنها الرقم الصعب الذي لا يمكن تجاوزه عند بحث أي اتفاق سياسي ينهي الصراع في سورية وفقاً لمصالحها العليا أولاً.
2. اقتناع روسيا بأهمية انسحاب قواتها البرية، فاستمرار المقاومة الشعبية وتزايد العمليات الإرهابية في سوريا كان عاملاً مهماً في عدم تمكّنها من حسم الصراع لمصلحة النظام السوري خلال فترة زمنية قصيرة، وخشيتها من الغرق في المستنقع السوري، كما قد يكون لتواجدها انعكاسات سلبية على نتائج الانتخابات البرلمانية والرئاسية لمصلحة المعارضة الروسية.
3. قد تكون هناك صفقة (أمريكية روسية) تتضمن انسحابا روسيا تدريجيا من سورية للضغط على بشار الأسد، مقابل تخلي أمريكا والدول الأوروبية عن إستراتيجيتها القائمة على التوسّع شرقاً نحو شبه جزيرة القرم وأوكرانيا والاعتراف الضمني بأن هذه المنطقة ستظل في نطاق النفوذ الروسي ومظلة أمنها القومي.
ومع تشابك خيوط الأزمة السورية، وتصنيف الجامعة العربية لمنظمة حزب الله اللبناني كمنظمة إرهابية، وظهور وثائق تثبت تورط حزب الله وإيران في تفجيرات برجي التجارة العالميين، وقيام أمريكا بتعزيز علاقاتها مع إيران بعد الاتفاق النووي منتصف (يوليو 2015م)، وضربها لمصالحها التاريخية والإستراتيجية مع حلفائها في المنطقة عرض الحائط، والزيارة المرتقبة للرئيس الأمريكي للرياض في (21 أبريل)، يتضح بأن البيت الأبيض قد أدرك احتمالية فقدانه للكثير من مصالحه نتيجة لسياسته الهادفة إلى تغيير الأنظمة الخليجية بالاستتار خلف (مبادئ احترام حقوق الإنسان وحرية الرأي والتعبير) واعتبارها أساسا لنجاح واستمرار علاقاته المستقبلية مع دول الخليج، وما نتج عن هذه السياسة من انعكاسات سلبية خطيرة على العلاقات التجارية والعسكرية بعد وقف تصدير السلاح للبحرين منذ (2011م) بذريعة إمكانية استخدامه ضد (المعارضين).
وبعد وضوح التعاون الروسي الأمريكي غير المُعلن بشأن القضية السورية، وبعد اتضاح الأهداف الحقيقية للسياسة الأمريكية تجاه دول مجلس التعاون والتي عكستها تصريحات الرئيس أوباما المستفزة ضد السعودية خلال مقابلته الأخيرة مع صحيفة (نيويورك تايمز)، تأتي القمة الخليجية الأمريكية في الرياض التي تهدف إلى تصحيح مسار العلاقات الخليجية الأمريكية، في الوقت الذي تؤكد فيه الكثير من الشواهد على بدء السعودية البحث بشكل جاد عن بدائل جديدة في مسار علاقاتها الإستراتيجية لتحقق أمنها واستقرارها وفقاً لمصالحها العليا.
ولعل زيارة الرئيس أوباما للرياض تكون بادرة جادة لتصحيح مسار السياسة الأمريكية الخرقاء تجاه دول مجلس التعاون المتفاوتة بين دولة وأخرى، فهي متشددة جداً مع مملكة البحرين، ومتأرجحة مع المملكة العربية السعودية بسبب مكانتها وقوتها الاقتصادية الكبرى ونفوذها في العالم العربي والإسلامي الذي انعكس في قيادتها لأهم تحالفين عسكريين في التاريخ الحديث وهما التحالف العربي في (عاصفة الحزم والأمل) والتحالف الإسلامي في (مناورات رعد الشمال).
وفي ظل كل ذلك، نجد أن مراجعة دقيقة للعلاقات الخليجية الأمريكية في ضوء التطورات المتسارعة والتهديدات المحدقة بدول مجلس التعاون تتطلَّب أن تكون لدى مجلس التعاون الخليجي خطة إستراتيجية جديدة وعملية تحكم علاقته مع الولايات المتحدة، ترتكز هذه الإستراتيجية على التوازن، وتقوم على المصالح العليا لدول المجلس، وتبتعد عن سياسة المجاملة والتردد، وتتوقف عن الاعتماد الكلي على الولايات المتحدة كصمام أمن واستقرار للمنطقة، وتفتح صفحة جديدة مع كافة دول العالم التي تحترم سيادة الدول واستقلالها ولا تتدخل في شؤونها الداخلية.
* المحلل السياسي للشؤون الإقليمية ومجلس التعاون