-A +A
علي الرباعي (الباحة)
ربما كان حزن الماء أبلغ في دلالته من حزن الجفاف، ففي زمن العطش يعاني الإنسان من قلة الماء لكنه لا يفقد ثقته بربه الكريم فـ «السحاب يحوم والرب رحوم»، وكما أن أجدادنا عانوا الأمرين من القحط ومن الأمطار الجارفة فإنهم لم يبخلوا علينا بوصاياهم، وكما قالوا «فقر من ماء وفقر من ظمأ»، فإن من شأن الفقر أن يولّد الحزن، لذا يصح أن نقول «حزن من ماء وحزن من ظمأ»، إذ لا يكاد يمر موسم الأمطار في منطقة الباحة دون أن تفجع قرية أو قبيلة أو المنطقة بفقيد اختطفته أحد الأودية أو الحفر أو البرك المائية الموحلة الناجمة عن مياه الأمطار.
وتظل الأمثال الشعبية وخبرات كبار السن وتجارب الحياة مصادر تعلّم وتنوير للإنسان منذ طفولته، ومن أمثالنا الشعبية المهملة من بعض شبان الزمن المعاصر «السيل والليل لا تمزح معهما»، إذ أن السيل غادر وقد لا يتوقع الإنسان ما يمكن حدوثه أثناء الوقوف في طريقه، وكذلك الليل الذي يخفي بين جنباته الويل.

وبما أن آباءنا الأولين نجحوا كثيرا في الوعظ والإرشاد بالأمثال والحكم، إلا أن البعض لا يلقي لها بالا ويعتبرها ترفا لا مبرر له، علما بأنها عصارة تجارب، ومن ذلك أنه إذا اشتد المطر وسالت الأودية قالوا «إذا شفت السيل الزم بيتك يا قليل الحيل»، ومن تحذيراتهم الواقعية «لا تصاحب عادي ولا تسكن بطن وادي».
وفي المقابل تجد أن بعض الأمثال أقرب إلى الحماقة بما تحمله من إغراء وتحفيز لروح إثبات الذات، ففي بعض القرى إذا أرادوا كيل المديح لأحدهم قالوا «فلان ما مثله يسري الليل ويقطع السيل»، وسبقت الأمثال والحكم توجيهات النبي عليه السلام الذي حذر من السكن في بطون الأودية أو عبورها وقت المطر، إذ كثيرون ذهبوا ضحية الاستهتار بقوة جريان الأودية وركب مركب المغامرة ليحظى بإعجاب مجايليه ليقدم عمره ثمنا لهذا التهور ويأخذ «شره بيده» كما في المثل.
وخلال موسم الأمطار الحالية سجلت منطقة الباحة سبع حالات غرق، منها سيدة في محافظة العقيق وأخرى في الحجرة، وخمس حالات لرجال قضوا نحبهم في مجرى السيول في بلجرشي والحجرة والمندق. ويؤكد الناطق باسم الدفاع المدني في الباحة العقيد جمعان دايس أن الدور الوقائي للدفاع المدني لا يتوقف طيلة العام من خلال التحذير عبر الصحف الورقية والإلكترونية ومن خلال رسائل التواصل، إلا أن البعض يغامر بروحه ويوقع أهله وذويه في مأساة كبرى بسبب تجاهل التحذيرات والتعليمات والوصايا.