عنوان المقال هو كلمة حجازية قديمة معناها الصندوق الضخم. وكان معدنيا في معظم الأحيان ويحتوي على بعض الزينة المصنوعة من معدن النحاس، والغالب أن هذا مصدر الكلمة لأن كلمة النحاس بالإنجليزية هي «الكوبر» Copper. ومن المستحيل أن يخلو أي بيت منه، وكانت معظم أسرار البيوت تكمن بداخل تلك الصناديق المعدنية. وبصراحة أسرار الصناديق المعدنية تستحق وقفات تأمل وإليكم بعضها: ظهرت في الآونة الأخيرة ثقافة خاصة للتعامل مع أوجه الفشل المختلفة: بيئته، ومسبباته، وتقويمه، وعلاجه. وبالرغم من التطورات الرائعة في هذا المجال كان من الواضح أن الريادة الرائعة كانت، ولا تزال في عالم الطيران. في كل حادثة طيران يستفيد العالم العديد من الدروس الفنية، والإنسانية، والتنظيمية القيمة جدا والتي تساهم في رفع مستوى سلامة النقل الجوي. وإحدى أهم مميزات ثقافة الاستفادة من تلك الدروس هي التعامل مع الأخطاء وتوثيقها بطرق شفافة رائعة جدا. ويلعب «الصندوق الأسود» أحد أكبر الأدوار في فتح الأبواب المختلفة للاستفادة من الكوارث الجوية. ومصطلح «الصندوق الأسود» يفتقد الدقة الفنية فالصواب هو «مسجل الطيران» flight recorder، ويرمز إلى جهازين أساسيين موقعهما في مؤخرة الطائرة: أولهما يخزن قياس معلومات فنية عن أداء الطائرة أولا بأول. ويشمل ذلك حركة وزوايا الأسطح المختلفة للطائرة، وزوايا الطائرة نفسها، وأداء محركاتها، وسرعتها وارتفاعها، والضغط بداخل مقصورتها، والمعلومات المختلفة التي ترسم صورة حركة المركبة بدقة وعددها حوالى 88 معلومة في كل ثانية تعمل فيها الطائرة. وأما الجهاز الثاني فهو جهاز تسجيل بداخل مقصورة القيادة. يقوم بتسجيل كل صوت إنساني وكل حركة يمكن رصدها صوتيا مثل المفاتيح المختلفة، بل وحتى صوت حركة الهواء خارج المقصورة. ويتم رصد ذلك لمدة زمنية محدودة كانت في السابق ثلاثين دقيقة وتمت زيادتها في الأجهزة الرقمية الجديدة لتصل إلى ساعتين. ويتجدد ذلك التسجيل تلقائيا إلى أن تتوقف حركة الطائرة بالسلامة، أو لا سمح الله بغير ذلك. وفي حالة الحوادث أو حتى الوقائع التي لا تنتج عن ضرر ولكنها تهدد السلامة، يصبح مسجل الطيران أحد المكونات الرئيسة للتحقيق. الجدير بالذكر أن في حالة أي حادث لا قدر الله يتم تحليل مكونات الجهازين بدقة مذهلة تدخل فيها أحدث التقنيات الهندسية، وتضاف إليها أيضا النواحي الفنية الأخرى المتعلقة بالتشغيل، وبسلوكيات البشر أيضا.
مصطلح «الصندوق الأسود» بدأ في عالم الفيزياء، وبالتحديد في علم الإلكترونيات، ولكنه اشتهر في عالم الطيران. وهو في الواقع «كوبر» يحفظ أسرار الطائرة كما كانت «الكوبرات» تحفظ أسرار بيوتنا في السابق. وللعلم فقد بدأت ثقافة الاستفادة من الصندوق الأسود تنتشر في بعض التخصصات الأخرى خارج عالم الطيران ومنها في بعض فروع الطب. بدلا من دفن الأخطاء الطبية مع المرضى كما كان الحال في السابق، أصبحت بعض الجهات التي تتحلى بالشجاعة والرغبة الجادة في تحسين الخدمات الطبية تنتهج سياسة تحليل الأخطاء بشفافية ومصداقية. ولكن للأسف لا تزال فلسفة لوم المريض، أو أهله، أو ربما حماته، أو حتى تاريخه هي تلك التي نراها منتشرة حول العالم اليوم. وأما الجهات الأخرى فكأنهم لا يعرفون الخطأ بأشكاله وأنواعه.
أمنية
أتمنى أن تتبنى الجهات الحكومية المختلفة فلسفة الاستفادة من أخطائها المختلفة من خلال تكوين ثقافة «الصندوق الأسود» في عالم الطيران. وذلك لأن التعامل مع الأخطاء بشفافية يفتح العديد من الأبواب للتقويم المثمر، ويمكن الاستفادة من خلال الرصد والتحليل، والأهم من كل هذا هو الشجاعة لتغيير ثقافة «دفن» الأخطاء، والتهرب من مسؤوليتها، والمحاسبة غير المقننة لمرتكبيها... وأما عن سر استخدام عنصر النحاس بالذات في صناعة «الكوبر»، فهو موضوع مقال قادم بإذن الله، وهو من وراء القصد.
مصطلح «الصندوق الأسود» بدأ في عالم الفيزياء، وبالتحديد في علم الإلكترونيات، ولكنه اشتهر في عالم الطيران. وهو في الواقع «كوبر» يحفظ أسرار الطائرة كما كانت «الكوبرات» تحفظ أسرار بيوتنا في السابق. وللعلم فقد بدأت ثقافة الاستفادة من الصندوق الأسود تنتشر في بعض التخصصات الأخرى خارج عالم الطيران ومنها في بعض فروع الطب. بدلا من دفن الأخطاء الطبية مع المرضى كما كان الحال في السابق، أصبحت بعض الجهات التي تتحلى بالشجاعة والرغبة الجادة في تحسين الخدمات الطبية تنتهج سياسة تحليل الأخطاء بشفافية ومصداقية. ولكن للأسف لا تزال فلسفة لوم المريض، أو أهله، أو ربما حماته، أو حتى تاريخه هي تلك التي نراها منتشرة حول العالم اليوم. وأما الجهات الأخرى فكأنهم لا يعرفون الخطأ بأشكاله وأنواعه.
أمنية
أتمنى أن تتبنى الجهات الحكومية المختلفة فلسفة الاستفادة من أخطائها المختلفة من خلال تكوين ثقافة «الصندوق الأسود» في عالم الطيران. وذلك لأن التعامل مع الأخطاء بشفافية يفتح العديد من الأبواب للتقويم المثمر، ويمكن الاستفادة من خلال الرصد والتحليل، والأهم من كل هذا هو الشجاعة لتغيير ثقافة «دفن» الأخطاء، والتهرب من مسؤوليتها، والمحاسبة غير المقننة لمرتكبيها... وأما عن سر استخدام عنصر النحاس بالذات في صناعة «الكوبر»، فهو موضوع مقال قادم بإذن الله، وهو من وراء القصد.