-A +A
صدقة يحي فاضل
أعتقد أننا في أمس الحاجة لمكافحة الاكتئاب... كما نكافح المخدرات، بل وبنفس الزخم الذى نحارب به الإرهاب. فمعضلة الاكتئاب خطيرة، ويمكن أن ينتج عنها آفات، وإشكاليات اجتماعية ونفسية أخطر، وسواء في مجتمعنا أو في غيره. فاجأني طبيب نفساني صديق بقوله: إن العرب،وشعبنا العربي السعودي بخاصة، ربما يكون الآن من أكثر الشعوب معاناة من مرض " الاكتئاب" (Stress/ Depression ) وإنه بدرجات متفاوتة، من شخص لآخر. إذ يرى أن نسبة كبيرة من هذا الشعب تعاني – من حيث تدري، ولا تدرى، كما قال – من هذا الداء. وما سفر أغلب هذه الأعداد الغفيرة من السعوديين لخارج بلادهم سنويا للسياحة، أو الإقامة الطويلة، إلا مؤشر رئيس على هذه المعاناة. والاكتئاب، بالطبع، داء نفساني، ولكن يمكن أن تصاحبه أمراض جسمانية لا حصر لها، خاصة إن تفاقم، وعلت درجاته. ومضى هذا الطبيب قائلا : إن ذروة الاكتئاب كثيرا ما تعني : الجنون، وإن من يصاب بدرجة متوسطة أو كبيرة من الاكتئاب غالبا ما يصبح كارها للحياة، وعازفا عن السعي في مناكبها. تراه، في أكثر الأحيان، في ضيق وضجر، وعزلة وعدم اطمئنان. ومن هنا، تأتي خطورة هذا المرض، لأن المبتلى به قد يندفع لعمل ما لا تحمد عقباه.
وتعود أهم أسباب الاكتئاب، في كل مكان، إلى ضغوط الحياة المتصاعدة، ونوازلها التي أضحت لا تنتهى. وعندما يصاب إنسان بإحباط شديد، نتيجة لتعثره أو عدم تمكنه من تحقيق آماله العادية، كثيرا ما يصبح مريضا جديدا... يعاني من شيء من الاكتئاب، وإن لم يشخص، أو يعالج، أو حتى يدرك ما به. ولا شك أن حياتنا العامة المعاصرة مليئة بالصعاب والعقبات، وإن تلك العقبات، في مجتمعنا وغيره، في تزايد مع مرور الزمن. من ذلك : استشراء الفقر، والبطالة، وصعوبة الالتحاق بالمدارس والجامعات، وتدني الرعاية الصحية، أو ندرتها، وتخلف المناهج الدراسية، إضافة إلى حيرة البعض العقائدية، وإلى وجود قدر من " الكبت" الاجتماعي، وقلة وسائل الترفيه البريء.... إلخ.

****
الاكتئاب، إذن، مرض لا يجب الاستهانة به... لأنه يؤثر بالسلب على نفسيات الناس، ومن ثم ينعكس ذلك على سلوكياتهم، وعلاقاتهم بالآخرين. ومن ذلك : ضعف إقبالهم على الحياة، وتدني رغبتهم في الإنتاج والإبداع، وميلهم للانحرافات المختلفة. لذا، يصبح واجبا على المجتمع أن يهتم بهذا الداء اهتماما مناسبا، وأن يبذل أقصى ما يمكن من جهد وموارد للوقاية منه، والعلاج من وقعه وتبعاته.
ومعرفة " أسباب" هذا المرض تبين سبل علاجه. إذ طالما أن أسبابه الرئيسة معروفة، فإن الوقاية والعلاج منه يتطلبان التعامل مع تلك الأسباب، بما يضمن إلغاؤها، أو التخفيف من حدة كل منها – لأقصى حد ممكن. وغني عن القول أن : التنمية الشاملة المستدامة الناجحة هي "ترياق" يرفع درجة السعادة العامة، ويزيد رضا واطمئنان المعنيين، فتخف كثيرا درجة الاكتئاب العام... وليس من الضروري إنشاء وزارة لـ "السعادة" ، كما حصل في بعض البلاد.
وإضافة لذلك، أرى ضرورة الاهتمام بالترفيه العام البريء والمشروع، والمتوافق مع ثوابتنا الدينية والوطنية. وهذا موضوع كبير ومتشعب، أعتقد أن الهيئة العامة للسياحة توليه اهتماما خاصا. لذلك، سأكتفى هنا بذكر بعض "وسائل" هذا النوع من الترويح الممكن. وأوجزها في نقاط كما يلي :-
1 – إقامة حديقة عامة كبيرة في كل من أحياء مدننا، تتوفر فيها متطلبات الترفيه العام المعروفة، من تشجير وجلسات، وألعاب أطفال، وربما بحيرات صناعية....الخ.
2 – السماح بفتح دور سينما عامة، وفق الضوابط الشرعية والنظامية اللازمة.
3 –إقامة نواد رجالية ونسائية اجتماعية وثقافية ورياضية، يقضي فيها المشتركون جزءا من أوقات فراغهم في ما يفيدهم ويفيد مجتمعهم.
4 –المسارعة بافتتاح مكتبة عامة في كل حي...
5 – إقامة قاعات احتفالات عامة، تؤجر للمواطنين لإقامة حفلاتهم ومناسباتهم فيها، بأجور رمزية معقولة.
6 – إقامة مهرجانات ومسابقات ثقافية ورياضية دورية، على كل المستويات الممكنة...
7 -قيام شركات سياحة داخلية، تنظم رحلات سياحية لمناطق المملكة المختلفة، بأسعار في متناول الغالبية.
ولا شك، أن هناك وسائل أخرى ( مقبولة ) يمكن تبنيها بالفعل، في حملة وطنية شاملة للترويح البريء، ومكافحة الاكتئاب العام، تحقيقا للسعادة العامة. المهم، أن نسارع في بدء هذه الحملة المدروسة، وعلى أسس علمية دقيقة، وبما يضمن تحقيقها لأهدافها، وفي مقدمتها : الوقاية من مرض الاكتئاب، ومكافحته قدر الإمكان، لإسعاد مجتمعنا العزيز، والحيلولة دون أن يكون حاضنا مواتيا لجرثومة هذا الداء. وبما أننا نقول: "لا... للمخدرات "، فيجب أن نقول أيضا : " لا... للاكتئاب" ... لأن الأخير يمكن أن يسهم في زيادة الطلب على تلك السموم...