-A +A
محمد أحمد الحساني
عاش جيلي من الذين كنا وكانوا على مقاعد الدراسة في التعليم العام قبل نحو نصف قرن فترة كانت الإصابة فيها بالجرب بين بعض الطلاب أمرا عاديا، وكان الأمر مرتبطا بعدة أمور منها ضعف مستوى الطب الوقائي التابع لوزارة الصحة وعدم الاهتمام بالنظافة وقلة الاستحمام لا سيما مع عدم توفر المياه للشرب ناهيك عن توفره بالشكل الكافي لأغراض النظافة لأن الماء كان يجلب للبيوت «بالزفة» عن طريق «السقا» والزفة هي صفيحتان معدنيتان يوصلهما السقا بعصا خيزران قوية ويضعها على كتفه بعد ملء الصفيحتين بالماء من «البازان» ولعل أفضل من يتحدث في هذا المجال من جيلي هو الزميل الأديب علي حسون لأن الحياة الاجتماعية في المدينتين المقدستين متماثلتين تقريبا، فلا يكون الماء المجلوب من البازان كافيا إلا للأغراض الضرورية وإن تم الاهتمام بالاستحمام فعن طريق «المغراف» توفيرا للماء، ولذلك كانت تظهر حالات الجرب بين بعض الطلاب وتتخذ المدارس ما في وسعها لمنع تمدد المرض إلى الطلاب أجمعين.
ثم جاء زمن توفرت فيه المياه وأصبح الواحد منا يستحم «ببرميل» ماء لأن «البانيو» في حجم البرميل، هذا إن لم يفتح الدش عن آخره ويربض تحته لمدة ساعة مترنما بأناشيده المحببة «حب البرشومي ياكلك!»، فيكون ما سفكه من ماء يعادل نصف ناقلة، مع توفر أنواع الصوابين والشامبوهات والنيفيا وغيرها من المرطبات الجلدية الراقية فلم تعد هناك شكوى من ظهور حالات جرب بين طلاب المدارس، ولكن أخبارا حديثة الولادة قرأتها في إحدى الصحف أكدت وجود عشرات الحالات من الإصابات بالجرب بين طلاب بعض المدارس في قرى مكة المكرمة وقبل ذلك تحدثت الصحف عن ظهور حالات جرب في بعض السجون بسبب التكدس وعدم الاهتمام بالنظافة وبعد أن نسينا الجرب واعتبرناه من أمراض الماضي شأنه في ذلك شأن الجدري والطاعون والكساح، إذا بنا نفاجأ بعودة الجرب وإن كان بحالات محدودة وفي مناطق فردية أو في سجون مكدسة، ولذلك فلا بد من تحرك وزارة الصحة بشقيها العلاج والوقائي لتدارك الأمر لأنه لا يصح أن نزعم السعي إلى العالم الأول ونحن نحك ظهورنا وبطوننا من شدة الجرب لنغني له قائلين: اليوم عاد كأن شيئا لم يكن!