كشف مدير برنامج ستاين للاستخبارات ومكافحة الإرهاب، أستاذ الدراسات الدولية المتقدمة التابعة لجامعة جونز هوبكنز ماثيو ليفيت، في تقرير له في أحد المواقع الأمريكية المتخصصة في الشؤون السياسية أمس الأول، بأنه من المتوقع أن يصدر (مدير الاستخبارات الوطنية) خلال الأسابيع القادمة تقريرا -بتكليف من الكونغرس، وبتفويض من الرئيس الأمريكي باراك أوباما- لاستهداف المؤسسات الإجرامية العالمية التابعة لـ(حزب الله) في أعقاب العديد من الإجراءات التي اتخذتها الحكومة الأمريكية ومن بينها لوائح الاتهام التي أصدرتها وزارة العدل وتصنيفات وزارة الخزانة في المستقبل القريب.
وأضاف أنه بموجب (قانون حظر التمويل الدولي لحزب الله) الصادر في عام 2015، يتعين على الرئيس الأمريكي أن يقدم تقريرا عن «أنشطة الحزب الإجرامية الكبرى العابرة للحدود» في مدة لا تتجاوز 120 يوما من المصادقة على مشروع القانون. وقد انقضت هذه المهلة في 18 أبريل الماضي.
وفي غضون شهر من تقديم التقرير، يتطلب من الإدارة الأمريكية اطلاع الكونغرس على محتويات التقرير ووضع الإجراءات المقررة لإدراج (حزب الله) على لائحة (المنظمات الإجرامية الكبرى العابرة للحدود) بموجب الأمر التنفيذي رقم 13581 الصادر في عام 2011.
وأشار إلى أن (حزب الله) ومنذ نشأته، يهيمن على شبكات عالمية تضم أعضاء وأنصارا لتقديم الدعم المالي واللوجستي، والعملياتي. ويتمكن الحزب من خلال هذه الشبكات من جمع الأموال وشراء الأسلحة والمواد ذات الاستخدام المزدوج والحصول على وثائق مزورة من خلال شبكات رسمية تديرها عناصر (حزب الله) في لبنان، إلا أن معظمها تم تنظيمه بشكل متعمد ليكون غير رسمي إلى حد كبير؛ وتسعى هذه الشبكات إلى إبقاء صلاتها مع الحزب ضبابية من أجل توفير قدر من الإنكار.
مشروع إجرامي
أفاد مدير برنامج ستاين، أن المشروع الإجرامي لـ(حزب الله) يميل إلى أن يكون منظما حول عقد مترابطة بشكل فضفاض ولا يعتمد على صلات هرمية وصولا إلى سلسلة القيادة، وهو يعمل بشكل واضح كـ«منظمة إجرامية عابرة للحدود»، وقد تم التأكيد على هذا التقييم مرارا وبشكل علني من خلال تحقيقات إنفاذ القانون والمحاكم الجنائية. وعلى سبيل المثال، خلصت لجنة من ثلاثة قضاة في قبرص في حكمها الصادر في مارس 2013 ضد حسام يعقوب (أحد عناصر حزب الله)، إلى عبارات لا لبس فيها توضح أن «الحزب يعمل كمنظمة إرهابية».
مُكون صفقات الأعمال
وبين ماثيو ليفيت أنه في فبراير الماضي، أسفرت تحقيقات سلطات إنفاذ القانون في الولايات المتحدة وأوروبا عن الكشف بأن الجناح الإرهابي لـ(حزب الله)، ويدعى (منظمة الأمن الخارجي) الذي يعرف أيضا بـ(منظمة الجهاد الإسلامي)، يشغّل كيانا مخصصا يكرس عملياته لتهريب المخدرات وغسل الأموال وشراء الأسلحة في جميع أنحاء العالم.
وألمح إلى أنه قد تم التوصل إلى هذا الاستنتاج من خلال عملية مشتركة شملت وكالات أمريكية كإدارة مكافحة المخدرات، إدارة الجمارك وحماية الحدود، وزارة الخزانة، وكالة تطبيق القانون الأوروبية (يوروبول)، وكالة (يوروجست)؛ وهي وكالة تابعة للاتحاد الأوروبي تتعاون قضائيا في المسائل الجنائية، وقد امتد التحقيق ليشمل سبع دول أوروبية من بينها فرنسا وألمانيا وإيطاليا وبلجيكا.
وأشار إلى أن ذلك أدى إلى اعتقال عدد من أعضاء ما يسمى (مكون صفقات الأعمال) في (حزب الله) بتهمة الاتجار بالمخدرات وغسل الأموال وشراء الأسلحة، مبينا أن (مُكون صفقات الأعمال) في (حزب الله) ليس عملية منفردة، فقد توصل المحققون الأمريكيون إلى نتيجة أنه تأسس على يد الشخصية الإرهابية الأبرز في الحزب (عماد مغنية)، قبل وفاته في عام 2008، ويتم تشغيله حاليا من قبل مسؤول كبير في (حزب الله) يدعى عبد الله صفي الدين وغيره من العناصر مثل أدهم طباجة.
وذكر أن صفي الدين، وهو ابن عم الأمين العام للحزب حسن نصر الله، كان ممثلا للحزب في طهران وساعد المسؤولين الإيرانيين على الوصول إلى (البنك اللبناني الكندي) المنحل الآن، الذي وضعته وزارة الخزانة الأمريكية على القائمة السوداء في عام 2011 بسبب علاقاته بتهريب المخدرات على نطاق عالمي وبشبكة غسل الأموال و بـ(حزب الله) مباشرة. وعلى نحو مماثل، أدرجت وزارة الخزانة أدهم طباجة على لائحتها في يونيو 2015 لتوفيره الدعم المالي للحزب عن طريق شركاته في لبنان والعراق وأفريقيا، واصفة إياه بأنه عضو في (حزب الله) يحافظ على علاقات مباشرة مع كبار العناصر التنظيمية، من بينها العنصر التنفيذي للحزب الإرهابي (منظمة الأمن الخارجي).
الخلية الأوروبية
وأفاد بأنه نتيجة لهذا التحقيق العابر للحدود، ألقت السلطات الفرنسية القبض على كبار قادة (مُكون صفقات الأعمال) في (حزب الله) في (الخلية الأوروبية) ومن بينهم محمد نور الدين (مبيّض أموال لبناني عمل مباشرة مع الجهاز المالي لحزب الله لنقل أموال الحزب) من خلال شركاته، مع الحفاظ على «علاقات مباشرة مع عناصر (حزب الله) التجارية والإرهابية في كل من لبنان والعراق». وفي يناير، صنفت وزارة الخزانة الأمريكية نور الدين وشريكه، حمدي زهر الدين، كناشطيْن في (حزب الله)، مشيرة إلى أن الحزب يحتاج إلى أفراد مثلهما «لغسل العائدات الإجرامية لاستخدامها في الإرهاب وزعزعة الاستقرار السياسي».
الشركاء الإجراميون
وأوضح إلى أن الكشف عن (مُكون صفقات الأعمال) في (حزب الله) جاء نتيجة سلسلة من قضايا الجرائم التي حققت فيها (إدارة مكافحة المخدرات) الأمريكية والتي جرت تحت عنوان (مشروع كاساندرا) الذي استهدف «شبكة عالمية لـ(حزب الله) مسؤولة عن توزيع كميات كبيرة من الكوكايين في الولايات المتحدة وأمريكا الجنوبية وأوروبا».
وبرزت العديد من الحالات الأخرى في المدة الأخيرة التي تم في إطارها ارتكاب الأنشطة الإجرامية المنظمة العابرة للحدود من قبل أشخاص يتمتعون بعلاقات رسمية، وحتى وثيقة جدا مع الحزب.
ففي أكتوبر 2015، تم اعتقال عنصرين بتهمة التآمر لغسل أموال المخدرات والاتجار بالأسلحة على الصعيد الدولي نيابة عن (حزب الله).
وذكر في تقريره بأن إيمان قبيسي، التي اعتقلت في أتلانتا بولاية (جورجيا)، قد عرضت غسل أموال المخدرات لعميل مخابراتي سري وأبلغته بأن زملاءها في (حزب الله) يسعون إلى شراء الكوكايين والأسلحة والذخيرة. إلى جانب ذلك، اعتقل في باريس في اليوم نفسه جوزيف الأسمر في عملية منسقة، خلال مناقشته لإجراء معاملات محتملة خاصة بالمخدرات مع عميل سري، وعرض استخدام علاقاته مع (حزب الله) لتوفير الأمن لشحنات المخدرات.
وأثناء التحقيق، أشار المشتبه بهما إلى وجود شبكة إجرامية في عشر دول على الأقل في جميع أنحاء العالم، وسلّطا الضوء على الطابع العابر للحدود لهذه العملية التي يديرها (حزب الله).
ونوه إلى أنه على مدى الأشهر الماضية تم القبض على مُيسّري العمليات الإجرامية للحزب في جميع أنحاء العالم، من ليتوانيا إلى كولومبيا مرورا بعدد من الدول الأفريقية. وقد تم إدراج آخرين على لائحة وزارة الخزانة الأمريكية، بمن فيهم رجل الأعمال قاسم حجيج الذي له صلات مباشرة بـ(حزب الله)، وعضو (منظمة الأمن الخارجي) حسين علي فاعور، وعبد النور شعلان، وهو شخص بارز يعمل على شراء الأسلحة لـ(حزب الله) وتربطه علاقات وثيقة مع قادة الحزب.
وأرفق ليفيت في تقريره تصريحا لمسؤول كبير في وزارة الخزانة الأمريكية، يذكر فيه بأن (حزب الله) يستخدم ما يسمى بالأعمال التجارية المشروعة لتمويل وتجهيز وتنظيم أنشطته الاجرامية الدولية.
وأورد أيضا بأن تورط عناصر فعليين من (حزب الله) في الأعمال الإجرامية ليس بالأمر الجديد. فهناك العديد من الحالات السابقة من شبكات (الجرائم العابرة للحدود) التي يديرها (حزب الله) مباشرة. على سبيل المثال، (شبكة بركات) في منطقة الحدود الثلاثية في أمريكا الجنوبية التي يديرها ممثل نصر الله الشخصي في المنطقة، أسعد أحمد بركات. وعندما أدرجت وزارة الخزانة الأمريكية بركات على لائحتها في عام 2004، لم تترك أي مجال للشك حول مكانته في الحزب، واصفة إياه بأنه «ممول رئيسي للإرهاب في أمريكا الجنوبية استخدم كل جريمة من الجرائم المالية المعروفة، بما فيها شركاته، لتوليد التمويل لـ(حزب الله).. فمن التزوير وإلى الابتزاز، ارتكب هذا الشخص المتعاطف مع (حزب الله) جرائم مالية واستخدم شركات وهمية لضمان المال للإرهاب».
وقد كشفت تحقيقات ألمانية نشرت خلال اليومين الماضيين عن عملية غسل أموال لصالح «حزب الله» الإرهابي تقدر بنحو 75 مليون يورو من تجارة المخدرات، ضبطتها شرطة مدينة إيسن. وأكدت أن هذه العملية تتعلق بمجموعة من عملاء «حزب الله» كانوا قد جمعوا نحو مليون يورو أسبوعيا في أوروبا وتم إرسالها إلى عصابة مخدرات في أمريكا الجنوبية، تقوم باستخدام عوائدها في تمويل «حزب الله» الإرهابي.