-A +A
خالد عباس طاشكندي
(رب كلمة تقول لصاحبها دعني).. لمن لا يعرف قصة هذا المثل، فيحكى أن أحد ملوك حمير، ويقال إنه النعمان بن المنذر، خرج ذات يوم للصيد ومعه حاشيته تتبعه حتى مروا على تلة مرتفعة عن الأرض، فوقف عندها الجميع وكانوا يتأملون بالطبيعة التي حولهم، ثم تقدم إلى النعمان رجل من خدمه متسائلا بتعجب: ترى يا مولاي لو ذبح أحدهم على سفح هذه التلة، إلى أين سيسيل دمه؟! ففكر النعمان لبرهة، ثم قال والله ما المذبوح إلا أنت حتى نرى إلى أين سيصل دمك، فأمر بذبحه على رأس التلة، فقال حينها رجل من الحاشية «رب كلمة تقول لصاحبها دعني»، فأصبح رده مثلا يضرب لمن يتكلم في ما ليس فيه ولا يقدر عواقب كلامه.
وفي قصة ذات علاقة، خرج أحد الدعاة المعروفين لممارسة نشاطه الدعوي في أوروبا خلال شهر أبريل الماضي، وعندما حط رحاله في دولة السويد أجرى حوارا مع إحدى كبرى الصحف هناك، ويبدو - والله أعلم - أنه حاول أن يدلي بحوار يتسق مع طبيعة المجتمعات الأوروبية، وليريهم مدى قيم التسامح وقدرة المسلمين على الانفتاح مع الغرب، ولذلك ظهر أمامهم بلغة مستنيرة، وربما مغايرة نوعيا عما يذكر في خطبه ومحاضراته وآرائه المدونة، وأبرز مخرجات ما جاء في الحوار الذي أراه من أقصر الحوارات الصحفية التي قرأتها، أنه لم يسبق له أن عادى السامية وأنه لا ينكر فاجعة المحرقة أو الهولوكست وأن بعض المسائل الجنسية مثل الشذوذ لا تستلزم عقوبة ما في هذه الدنيا، بحسب ما نشر على موقع الصحيفة في 23 أبريل الماضي.

وأعتقد أن سبب قصر الحوار هو أنه شعر بأنه وقع في ورطة، خصوصا أن من حاوره يبدو جليا أنه يستند لآراء سابقة جمعها عن الداعية، ولكن بالرغم أن ما ذكر أوقعه في حرج كبير اضطره لأن يسوغ مبرراته عند عودته حول ما وقع فيه، وخصوصا في مسائل لا تزال في دول الغرب جدلية، إلا أن الملاحظ في الحوار الذي أدلى به هو أنه طرح نصف آرائه واجتز الباقي، بطريقة الاكتفاء بنصف الآية الكريمة (فويل للمصلين)، فهو لم ينكر المحرقة في آرائه السابقة، ولكنه لم يكمل ويذكر لهم أنه يرى بحسب ما ذكره في حوارات وندوات سابقة بأن المحرقة مبالغ فيها وأنها وسيلة ابتزاز، وبفضل هذه المحرقة، صار اليهود يبتزون حكومات عدة في العالم، في أوروبا والولايات المتحدة، وبأن دور اليهود هو بث الدمار وشن الحرب والخداع والابتزاز، وأن اليهود يعتقدون أن لهم الحق في قتل كل من لا يتبع ملتهم، وأن ذلك مكتوب في التلمود، ولم يذكر أنه قال: «اليهود ليسوا جنسا نقيا كما يدعون وقوميتهم مبنية على أكذوبة».
أما بالنسبة لما طرحه هذا الداعية في حواره مع الصحيفة السويدية عن المسائل الجنسية الجدلية، فقد سبق أن أدلى بتصريحات حول هذه القضية قبل سنوات عدة ردا على قضية أثيرت حول زواج شابين مثليين، فقال حينها في تصريحات لموقع قناة العربية: «فعل الفاحشة المثلية جريمة كبيرة وليست كفرا، وأكثر العلماء يقولون بمعاقبة مرتكبها بالقتل أو الجلد، لكن بعض أهل العلم يرى أنها عقوبة ليس لها تقدير»، وتحدث عن مسألة العقوبة الشرعية لفاعل الفاحشة، وذكر التالي: «للعلماء ثلاثة أقوال: (القول الأول) أنه يقتل بكل حال، محصنا كان أو غير محصن، وإن اختلفوا في صفة قتله، هل يقتل بالسيف، أم يحرق، أم يرمى من شاهق؟..»، وهذه الجزئية لم يذكرها في السويد بكل تأكيد.
المحصلة في كل هذا، أنه من الواضح بأنه لم يذكر آراءه الكاملة، وأن الخطاب الذي أعتقد أنه كان مستنيرا نوعا ما وأراد أن يدلي به عند الأوروبيين أوقعه في حرج كبير، وأتى على طريقة المثل المذكور في مقدمة المقال، لأن هذا الطرح غير الموفق لن يحسن الصورة لدى الغرب ولن يرضي أهله في الشرق.
خارج النص:
ليت الصحيفة السويدية بكرت بسؤاله حول قيادة المرأة والغناء والموسيقى والسينما والمسرح ومصافحة الكفار وحكم تهنئتهم بأعيادهم الدينية، فقد نشاهد ونسمع ما لا عين رأت ولا أذن سمعت.