بعض الحقيقة
ثقافتنا وجناية «وسائل التواصل»!
عيسى الحليان
في كتابه الشهير «تدمير الزعماء» لا يفرق «داركر» بين القائد والمدير، ويقول إن الزعامات المؤثرة في التاريخ الإنساني لم يعودوا قادة فحسب بل مديرون ناجحون، انتهت حقبة كبار القادة التاريخيين مثل هتلر وايزنهاور وتشرشل وبدأت حقبة بيل غيتس وستيف جوبز ولاري بيج ومارك زوكر، ولم تعد الأمم هي الأمة الألمانية أو الإنجليزية أو الصينية أو الروسية وإنما أمة «تويتر» وشعب «غوغل» وقبيلة «فيسبوك» وهي شعوب وأمم جديدة تنافس الشعوب الأممية (العرقية) التي تعاقبت على مر التاريخ، بل وتزيد عليها بعد أن أعادت مثل هذه التقنيات إنتاج الهندسة الوراثية لأعراق الشعوب (معرفيا) من جديد !!
كما أطاحت هذه التطورات بقانون الجاذبية الشخصية (كاريزما) التي صنعت قادة مؤثرين رغم أن من يرى - بالمناسبة – أن هذه الكاريزما عامل تدمير للزعامات وأنها لم تكن ميزة من أساسها لأن أصحابها سرعان ما يقعون في حبائل الثقة المطلقة والعزوف عن التغيير مثل هتلر وستالين وماو وجمال عبدالناصر وصدام حسين، بل إن هناك من ذهب بعيدا ليقول إن ميزة الإسكندر الأكبر أنه مات باكرا وهو ما أنقذه من الفشل العسكري أو العجز السياسي الذي ربما أصاب غيره ممن حققوا بطولات في مطلع حياتهم لكنهم سرعان ما انتحروا سياسيا أو عسكريا بعد ذلك، والتاريخ مليء بهذه النماذج.
ما علينا، ففي المملكة نحن الأكثر تحولا وانغماسا في تطبيقات أدوات التواصل الاجتماعي حاليا ومن دون منازع، والأكثر اقتناء لهذه الأجهزة والحواسيب الشخصية ولا يزال الوقت مبكرا حول مدى تكوين رأي عام مؤثر حول كثير من القضايا السياسية والاقتصادية والاجتماعية من خلال هذه المنابر، لكن الأكيد أن ثمة تغييرا في موازين القوى الفكرية والثقافية ولا تزال ثمة جيوب وفراغات ترتبت على هذه الهزة الثقافية العنيفة وهناك من يسعى لملئها فكريا وأيديولوجيا في حين لا يمكن إنكار مسألة أن هناك منظومة رأي عام في طريقها للتبلور وذلك إزاء جملة من القضايا بعضها في محله والبعض الآخر ليس في محله، لكن ثمة من يستخدم هذا العلم وتطبيقاته في تكون قوى ورأي عام مضاد حتى لهذا العلم ذاته والفلسفة التي أنبتت هذه المقتنيات وفي سابقة تاريخية واجتماعية وثقافية فهو يعترف بالمنتج ويقوم باستخدامه في انتهازية عجيبة، لكنه لا يعترف بالثقافة التي أثمرت عن هذا المنتج وغيره.
فهل من المعقول أن هذا الفكر الحر الذي أنبتته هذه الثقافة والذي لا رقابة عليه ويتدفق من بين أزرار هذه الأجهزة سرعان ما يتحول فجأة إلى فكر مضاد لهذه الحرية ذاتها ينفث السموم سياسيا وأيديولوجيا واجتماعيا ويوظف أصحابه هذه التقنيات ليزرعوا روح الكراهية والحقد لمنتجيها وبقية مستخدميها في الداخل والخارج، فهم أول من يلعن هذه المخترعات وأهلها، لكنهم أول من يستفيد من تطبيقاتها الفكرية والاجتماعية والسياسية !!!
Alholyan@hotmail.com
للتواصل أرسل sms إلى 88548 الاتصالات، 636250 موبايلي، 738303 زين تبدأ بالرمز 161 مسافة ثم الرسالة