حينما كنت أحضر للدكتوراه، قرأت أدب الاستشراق ونسخاً مختلفة من ألف ليلة وليلة مترجمة إلى الفرنسية والإنجليزية، وتعمقت في الأدب الروائي المحكي والفولكلوري وقصص الشعوب التي تناقلتها الأجيال عبر رواة ظهروا بكل الثقافات. شدني هذا النوع من الأدب الملتصق بالناس الذي لا يحيا دون الراوي. بل إن الراوي يخلق من الحكاية نسخاً مختلفة كل مرة يرويها فلا تتطابق روايتان شفهيتان إطلاقا ولو كانت القصة المروية ذاتها.
والأطفال خير من يلتقط هذه الاختلافات ويتفاعل معها لأنها كأدب محكي، ترفض الاحتباس في صندوق محكم، والطفل أيقونة لحرية الخيال، والرواية الشفهية حرة متمردة حتى على الراوي مما يذكرنا بمقولات الناقد الأدبي رولان بارت الذي قال إن القصة تكتسب حياة قائمة بذاتها لا تعتمد على الراوي. ويؤمن بارت أن ناقل النص ليس له تاريخ وإنما يولد آنياً مع ولادة النص. بل إن بارت أكد موت (كاتب) النص واختار بدلا من كلمة الكاتب كلمة (الناقل) لأن كل نص عبارة عن نتاج لنصوص قبله، وهي فكرة الموزاييك النصصي التي أشارت اليها الناقدة جوليا كريستيفا، فلا يوجد نص يحيا حياة مستقلة، ويجب أن يموت الراوي ليولد القارئ ويعيش.
والآن في عصر مات فيه الراوي موتا حتميا، فلم نعد نسمع كثيرا عن رواة الماضي، ممن تخصصوا كل في مجاله، من راوٍ متبحر في علم الأنساب والقبائل، إلى راو متبحر بالتاريخ، إلى آخر هاوٍ للأدب حافظ للشعر، إلى رابع متمرس في علم الفلك والنجوم إلى آخر عارف بجغرافية اللأرض وتضاريسها، ذهبت بهجة كل هؤلاء وانصهرت أدمغتهم جميعا في محركات بحث بأسماء (فافافومية) مثل جوجل وياهوو وانقطع التواصل البشري وانضم الراوي التقليدي إلى السلع التاريخية ليجد نفسه مرصوصا بإحكام بجوار آثار تاريخية نسمع عنها ولا نعرفها.
وأصبح الصوت الأعلى في أي حجرة التقاء عائلية تقريبا هو صوت الأزرار الإلكترونية، والطبق المشترك في أي وجبة غذائية بين الأصدقاء هو الواتساب، وأصبحنا نرى صديقين بنفس الحجرة وعلى نفس المقعد ربما يرسلان لبعضهما كليبات وفيديوهات ويضحك كل منهما عليها بشاشته الشخصية.
فمفهوم التواصل الاجتماعي لم يعد اجتماعيا بتاتا البتة، بل أصبح شخصيا، فرديا، متوحدا.
فحتى في المجتمع، مات الراوي التقليدي وأصبحت حتى خبريات النسوان تروي بالواتساب وتصور بالسنابشات. قالت لي صديقة بأن سيدة زارتها وقضت وقتها على الآيفون، وعندما خرجت اكتشفت صديقتي بأن الضيفة صورت أجزاء من منزلها دون استئذان، ونشرتها في جروبات الواتساب، مع تعليقات ذات حدين. وحينما استشارتني الضحية أشرت عليها بتقمص دور الراوي التقليدي والتواصل المباشر اللفظي والحركي مع الجانية، واستخدام مؤثرات الصوت عالية التردد إن استدعى الأمر، وإن فشل ذلك فعليها بضغطة زر تنهي علاقتهم للأبد إلكترونيا وفعليا.
والأطفال خير من يلتقط هذه الاختلافات ويتفاعل معها لأنها كأدب محكي، ترفض الاحتباس في صندوق محكم، والطفل أيقونة لحرية الخيال، والرواية الشفهية حرة متمردة حتى على الراوي مما يذكرنا بمقولات الناقد الأدبي رولان بارت الذي قال إن القصة تكتسب حياة قائمة بذاتها لا تعتمد على الراوي. ويؤمن بارت أن ناقل النص ليس له تاريخ وإنما يولد آنياً مع ولادة النص. بل إن بارت أكد موت (كاتب) النص واختار بدلا من كلمة الكاتب كلمة (الناقل) لأن كل نص عبارة عن نتاج لنصوص قبله، وهي فكرة الموزاييك النصصي التي أشارت اليها الناقدة جوليا كريستيفا، فلا يوجد نص يحيا حياة مستقلة، ويجب أن يموت الراوي ليولد القارئ ويعيش.
والآن في عصر مات فيه الراوي موتا حتميا، فلم نعد نسمع كثيرا عن رواة الماضي، ممن تخصصوا كل في مجاله، من راوٍ متبحر في علم الأنساب والقبائل، إلى راو متبحر بالتاريخ، إلى آخر هاوٍ للأدب حافظ للشعر، إلى رابع متمرس في علم الفلك والنجوم إلى آخر عارف بجغرافية اللأرض وتضاريسها، ذهبت بهجة كل هؤلاء وانصهرت أدمغتهم جميعا في محركات بحث بأسماء (فافافومية) مثل جوجل وياهوو وانقطع التواصل البشري وانضم الراوي التقليدي إلى السلع التاريخية ليجد نفسه مرصوصا بإحكام بجوار آثار تاريخية نسمع عنها ولا نعرفها.
وأصبح الصوت الأعلى في أي حجرة التقاء عائلية تقريبا هو صوت الأزرار الإلكترونية، والطبق المشترك في أي وجبة غذائية بين الأصدقاء هو الواتساب، وأصبحنا نرى صديقين بنفس الحجرة وعلى نفس المقعد ربما يرسلان لبعضهما كليبات وفيديوهات ويضحك كل منهما عليها بشاشته الشخصية.
فمفهوم التواصل الاجتماعي لم يعد اجتماعيا بتاتا البتة، بل أصبح شخصيا، فرديا، متوحدا.
فحتى في المجتمع، مات الراوي التقليدي وأصبحت حتى خبريات النسوان تروي بالواتساب وتصور بالسنابشات. قالت لي صديقة بأن سيدة زارتها وقضت وقتها على الآيفون، وعندما خرجت اكتشفت صديقتي بأن الضيفة صورت أجزاء من منزلها دون استئذان، ونشرتها في جروبات الواتساب، مع تعليقات ذات حدين. وحينما استشارتني الضحية أشرت عليها بتقمص دور الراوي التقليدي والتواصل المباشر اللفظي والحركي مع الجانية، واستخدام مؤثرات الصوت عالية التردد إن استدعى الأمر، وإن فشل ذلك فعليها بضغطة زر تنهي علاقتهم للأبد إلكترونيا وفعليا.