-A +A
السفير حمد أحمد عبدالعزيز العامر
بعد فشل (عصبة الأمم) في تحقيق أهدافها، جاء إنشاء (الأمم المتحدة) بعد انتهاء الحرب العالمية الثانية؛ كنتيجة طبيعية لإنهاء حالة الحرب والإعلان عن بدء الحلفاء وضع الأسس الجديدة لإعادة بناء العالم والسيطرة عليه والتحكّم في مقدراته باستخدام الوسائل الدبلوماسية والسياسية ومبادئ حقوق الإنسان تحت غطاء الشرعية الدولية.
لذلك كان لا بد للأمم المتحدة من آليات وأجهزة ومؤسسات تنظّم عملها بما يحقق أهدافها، وأهم هذه الأجهزة على الإطلاق هو (مجلس الأمن الدولي) المعني بصون السلم والأمن الدوليين، إلا أن هذا المجلس أصبح أداة تمرير ما تريده الدول الخمس الكبرى التي منحت نفسها حق الاعتراض على أي قرار يُقدَّم إلى المجلس دون إبداء أسباب حتى وإن كان مقبولاً للدول الأخرى، وهو ما يُعرف بـ(حق النقض ـ الفيتو)؛ وهو ما أدى إلى تفاقم القضايا الدولية والإقليمية دون حلول عادلة ما ينتفي معه دور الأمم المتحدة في تحقيق أهدافها التي أُنشئت من أجلها.

ولعلّ أبرز القضايا المتجددة في تعقيداتها وتشابكها بسبب استخدام الولايات المتحدة الأمريكية وروسيا لحق النقض (الفيتو) هي:
1ـ القضية الفلسطينية: المستمرة كقضية دائمة في دهاليز الأمم المتحدة منذ ما يزيد على ستين عاماً، بسبب الفيتو الأمريكي الذي استخدمته الإدارة الأميركية أكثر من (40) مرة منذ تأسيس الأمم المتحدة ضد كل قرار من شأنه التوصل إلى حل للصراع العربي الإسرائيلي، لتؤكد الأمم المتحدة للعالم عجزها التام عن تحقيق أهداف ميثاقها، وتُعلن بكل وضوح عن حرصها اللامحدود على حماية أمن ووجود (إسرائيل)، حتى وإن كانت السبب وراء كل ما يعانيه الشرق الأوسط من أزمات، ولتظل فلسطين شماعة للدول الفاشلة والأحزاب الإرهابية المتطرفة مثل (إيران، وحزب الله) لتأخذ من (تحرير فلسطين) وتحت شعار (يوم القدس) وسيلة لتحقيق أهداف أعمق وأخطر تهدد أمن واستقرار واستقلال وسيادة جميع الدول العربية دون استثناء.
2ـ الأزمة السورية: التي اختُطفت من قِبل: (إيران وإسرائيل والاتحاد الروسي وحزب الله الإرهابي وجبهة النصرة وتنظيم داعش وتنظيم القاعدة)، والتي تعمل جميعها لتحقيق أهدافها ومصالحها ضاربة بعرض الحائط تطلعات الشعب السوري وأحلامه بإقامة دولة القانون والتعددية السياسية، لتستمر الأزمة السورية وتوابعها المأساوية منذ (مارس 2011م) دون التوصل إلى حل سياسي بسبب (الفيتو الروسي) بعد أن اختلطت أوراق الأزمة بين الموقف الأمريكي المتردد في اتخاذ القرار الحاسم الذي شجَّع الروس بالتمادي في التدخل ودعم بشار الأسد وإيران تحت غطاء محاربة الإرهاب، وبين رغبة الرئيس أوباما في إنهاء فترة رئاسته محافظاً على سجله نظيفاً من أي قرار عسكري يسمح بدخول قوات أمريكية للأراضي السورية.
وأمام هذه القضايا المعقدة والمتشابكة التي استمرت دون حل وهدَّدت الأمن والسلم الدوليين، ارتأت الدول الأعضاء بالأمم المتحدة أهمية البحث عن مخرج دبلوماسي لتفادي (الفيتو) بمجلس الأمن الدولي، فتم التوصل إلى أن تتخذ الجمعية العامة القرار رقم (377) أو ما يعرف بـ(متحدون من أجل السلام) الذي يقوم على أنه: «إذا فشل مجلس الأمن، بسبب غياب الإجماع بين الأعضاء الدائمين، في ممارسة مسؤوليته الأساسية في الحفاظ على السلام والأمن الدوليين، وفي حالة وجود تهديد للسلام، فإن الجمعية العامة ستنظر في المسألة على الفور، بهدف تقديم توصيات ملائمة للدول الأعضاء لاتخاذ تدابير جماعية، لاستعادة السلام والأمن الدوليين».
ولم يتحقق الإجماع تحت هذا المبدأ بين الأعضاء الدائمين في مجلس الأمن الدولي إلا في ثلاث قضايا:
1ـ شبه الجزيرة الكورية: التي قُسِّمت إلى كوريا الشمالية التابعة للأيدولوجية الشيوعية، وكوريا الجنوبية التابعة للرأسمالية الغربية.
2ـ حرب قناة السويس: عام (1956م) التي احتلتها بريطانيا وفرنسا وإسرائيل.
3ـ الجدار الفاصل في فلسطين: بعد أن نجحت الجمعية العامة بالتوصل إلى قرار بتوجيه طلب مباشر إلى محكمة العدل الدولية لتقديم رأي استشاري بخصوص بناء الجدار لتفادي الفيتو الأمريكي المتوقع في مجلس الأمن، إلا أن رد المحكمة لم يزل ضائعا في دهاليزها بسبب الضغوط الأمريكية.
لذلك فإن قرار (متحدون من أجل السلام) ليس هو الحل الصحيح لمعالجة قضايا الأمم المتحدة، إنما يقبع الحل في القيام بمراجعة شاملة للنظام الدولي نظرا لاختلاف الظروف القائمة عند تأسيس الأمم المتحدة والأوضاع والتطورات السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية التي يمر بها العالم الآن.