-A +A
صدقة يحي فاضل
«تقوية الذات» بالنسبة لأي دولة، تعني: قيام شعب وحكومة الدولة - أي دولة - بتنمية وإصلاح وتطوير وتقوية دولتهم (بمعنى «القوة» الشامل) لجعلها دائما دولة قوية محترمة، قادرة ( لأقصى حد ممكن ومتصور ) لحماية نفسها، وحفظ حقوقها ورعاية مصالحها، وضمان استقلالها وسيادتها. و «القوة» (Power) لا تقتصر على القوة المسلحة، بالطبع، وإنما تشمل كل «عناصر» قوة الدولة الستة، وهي: نظام الحكم والإدارة، كم ونوع السكان، الموقع الجغرافي والطوبوغرافي، الموارد الطبيعية، الإمكانات التقنية والصناعية، القوة المسلحة. وتنمية الذات تعني: تنمية وتطوير هذه العناصر الستة، بأساليب تنمية كل منها المعتمدة علميا وعالميا.
إن تقوية الذات (التنمية والإصلاح)، وبشكل جاد ومتواصل وسليم ومستدام، تضمن للدولة (سكانا وموارد) النمو السليم، والتمكين الحقيقي، والعزة والمكانة المرموقة في الحاضر والمستقبل. والمقصود هنا بتنمية الذات هو: تطوير وتنمية وتحسين إمكانات وقدرات الدولة -أي دولة- المتجسدة أساسا في «عناصر» القوة الستة فيها. والواقع، أن «القوة» الدولية، بمعناها الواسع المتضمن القوة بعناصرها الستة الرئيسة المذكورة، هي - أو هكذا يجب أن تكون - الـ «هدف» الرئيس لكل دولة نابهة، وأيضا «وسيلتها» لتحقيق أهدافها، خاصة على الساحة الدولية... حتى عرفت «العلاقات الدولية» بأنها: صراع (فيما بين الدول) من أجل القوة. وكما أن رأس المال يمكن أن يجلب -أن أستثمر وأدير بشكل صحيح- مزيدا من المال، فإن القوة يمكن أن تستخدم لجلب مزيد من القوة، إن نميت وأديرت بشكل سليم وحكيم.

وكل دولة تواجه دائما، وبطبيعة الحال، أخطارا وتحديات داخلية وخارجية شتى. وخير وأنجع وسيلة لمواجهة هذه التحديات هي: تقوية الذات (بالمعنى المشار إليه) وباستمرار. أي تنمية وتطوير كل عناصر القوة فيها، بشكل متواصل. وهذا لن يحصل ما لم يتوافر للدولة نظام سياسي سليم مستقر وفاعل. فالنظام المذكور هو الجهاز الذي يدير الدولة، ويوجهها إما للأمام أو إلى الخلف. إن تجاهل تقوية الذات، أو عدم القيام بهذه العملية بالأسلوب السليم، غالبا ما يعني: حصول تدهور متواصل في «قوة» الدولة المعنية... وبالتالي، حصول تدهور متواصل في قدرتها على مواجهة التحديات المختلفة، وفي نوعية الحياة فيها، خاصة عندما لا يحصل تدهور وضعف مماثل في قوة الأطراف المنافسة لها.
****
صحيح، أن للإعلام دورا مؤثرا في الآخرين، في المدى القريب، وقدرة على «تجميل»، أو «تسفيه»، أقوال وأفعال البعض وأوضاعهم، ولكن «حبل الإعلام قصير»... وفي نهاية المطاف، فإن الإعلام لا يمكن أن يبني بيوتا لا عماد لها، أو يشيد قصورا في الهواء. يقول مثل حجازي شهير، تدليلا على عدم القدرة على تجميل القبيح : «تتعب المقينة في الوجه الغلس»...؟! أي يصعب على خبيرة التجميل أن تزين وجها قبيحا أصلا. وهناك مثل مشابه وفي ذات الموضوع يقول ما معناه: «الجميل جميل ولو صحا لتوه من النوم»... بمعنى: يصعب تقبيح الجميل، أو تجميل القبيح.
إن من أهم «وسائل» تحقيق أهداف السياسة، بصفة عامة، والسياسة الخارجية، بصفة أخص، هو: الإعلام والأدوات النفسية. ولكن، تظل هذه الوسيلة محدودة التأثير في المدى الطويل، خاصة في حالات وجود مصادر إعلامية منافسة، أو محايدة، قوية ومسموعة. وخاصة أيضا في حالات عدم تقوية الذات بشكل ومضمون سليمين، أو تعثر هذه التقوية. لذلك، تظل «تقوية الذات»، وبشكل متواصل، هي الطريق الأسلم والأصح للبقاء والتقدم والازدهار، واكتساب تقدير الآخرين بالفعل. فعمل أي دولة على تقوية ذاتها إيجابا، بشكل سليم ومدروس، ونجاحها في ذلك، غالبا ما يضمن للدولة المعنية حاضرا جميلا، ومستقبلا أجمل. كما يغرس بالفعل احترامها في قلوب وأعين الناس، بشتى فئاتهم ومشاربهم. وغالبا ما يحصل العكس في حالة عدم تقوية الذات بشكل سليم، أو الفشل في هذه التقوية.