في كل أسبوع تستضيف «عكاظ» مغرداً شهيراً في «تويتر» وتجلسه على منصة المواجهة ثم ترشقه بالأسئلة المضادة والمشاكسة.. هو حوار ساخن هنا كل يوم ثلاثاء، وضيفنا هذا الأسبوع هو أستاذ علم اجتماع المعرفة والعلوم في جامعة الملك سعود والكاتب المعروف المهتم بقضايا الشأن العام والتنمية الاجتماعية الدكتور عبدالسلام الوايل.
• في الفترة الأخيرة لم نعد نرى لك تغريدات خاصة وقوية كما كنت تفعل في السابق بل معظمها (ريتويتات) لآخرين أو نقل آرائك التي تكتبها أو تشارك بها في القنوات الفضائية.. لماذا؟ هل تراجعت أهمية «تويتر»؟
•• العلاقة مع «تويتر» معقدة. فمن ناحية، هيمن «تويتر» بجدارة على عرش ساحات التواصل في المجتمع السعودي، الذي تصفه بعض إحصاءات وسائل التواصل الاجتماعي بأكثر شعب مجنون بـ «تويتر»، بالنظر إلى العدد الكبير من الحسابات لشعب ما نسبة لعدد مستخدمي شبكة الإنترنت في هذا المجتمع. لذا، هو وسيلة تواصل تستحق من المتواصلين السعوديين، من كتاب وإعلاميين ومغردين وخلافهم، التبجيل والتقدير. ومن ناحية أخرى، «تويتر» آلة قتّالة للوقت والطاقة. إنه قادر على ابتلاع يومك بكل فعالية. علاقتي بـ «تويتر» مأزومة بهذين البعدين. أحياناً، برمي بـ «تويتر» يتفوق أحياناً على احتفائي به. لذا يخف نشاطي نوعاً ما. بل أعلق حسابي. لكني ما ألبث أن أعود. هذه الأيام لدي تغريدات ومشاركات نشطة.
طقوس انفعالية
• قلت مرة إنك ستتحدث عن «هيئة الترفيه». وتحدثت في الإم بي سي على أن «التحدي الذي تواجهه هذه الهيئة هو إزالة العوائق الثقافية أمام مناشط الترفيه».. ما هي هذه العوائق؟ حددها وسمّها بأسمائها؟ وفي رأيك مهمة من تحديد أشكال الترفيه؟
•• تتمثل العوائق في ما أطلقت عليه في نفس المقابلة بالاتجاهات والمواقف الثقافية التي صارت مبنية على أساس «تأثيم الترفيه». وأقصد أن لدينا ظاهرة اجتماعية غريبة تقوم على تشييد نشاطات ترفيه على أساس عدّ بعض أنشطة الترفيه إثما ورجسا من الشيطان. ربما نكون المجتمع الوحيد في العالم الذي تترفه بعض فئاته بتكسير آلات الموسيقى عبر طقوس انفعالية تتحول فيه الآلة الموسيقية من عود أو غيتار أو أورغ إلى تجسيد لكل ما يظن البشر أنه شر. إن العود يحطّم بنفس الحماسة التي تُحطّم فيها تماثيل حافظ الأسد في المدن السورية المنتفضة. الصراخ والحماسة والنظرات المطرقة بانكسار الخطيئة لأنها اقترفت يوما ما إثم العزف لا يمكن وصفها بأقل من أنها موقف ثقافي فريد من بعض مناشط الترفيه المقبولة في بقية ثقافات الأرض. حين تودع آلة تعبير فني، كالآلات الموسيقية، كل هذا الشر فإنه من الطبيعي توقع أن تنظيم الترفيه سيلاقى بالكثير من العنت الثقافي والممانعات. أتوقع من هيئة الترفيه أن تضع في اعتبارها ضرورة نزع التأثيم عن الترفيه. السينما مؤثمة، رغم أنها في طبيعتها التنظيمية البحتة، لا تبعد كثيرا عن ذهاب العائلة إلى المطعم. الحفلات الموسيقية آثمة ومؤثمة، رغم أن لدينا مطرباً بقامة محمد عبده. رجفة صوت النادل وهو يستأذن في تجاوز «البارتشن» قبل أن يضع الطبق على الطاولة تشير لموقف ثقافي مرتاب من نشاطات الترفيه. لذا، أرى أننا بحاجة لـ «تطبيع» علاقتنا مع بعض أنشطة الترفيه وأن هذا التطبيع من صميم عمل الهيئة الوليدة.
مآزق وجودية
• أنشأت تصويتاً في «تويتر» حول اقتراح بعض أعضاء «بلدي جدة» أن تبتعد العضوات عن طاولة الاجتماع مترا فيما اقترح آخرون أن تبتعد 90 سم. وخاطبتَ المتابعين: هل أنت مع أن: تبتعد بمتر أو ب 90سم؟ هل ترى أن السخرية هي الحل؟ بما أنك عالم اجتماع وقارئ في المسألة الدينية كيف يمكن أن نكون طبيعيين في التعامل مع المرأة وقضايا الاختلاط؟
•• السخرية فن بالغ الجدية. إنه تعبير رفيع عن مآزق وجودية. كما أن السخرية حالة انفعالية. إنها اختلاط انفعالات متأججة، كما يقول الفريد آدلر. لاحظ أيضا أن السخرية أسلوب فعال. في دراسة تجريبية عن السخرية يقوم شخص ما بالتدخين ثم يعلق شخص ما بتعليقين. أحدهما مباشر فيقول: «أرى أنك لا تهتم لصحة رئتيك». والآخر ساخر فيقول: «أرى أنك تهتم لصحة رئتيك». وبعرض التعليقين على مجموعة من المبحوثين اعتبر هؤلاء أن التعبير الساخر كان أكثر وقعا في إدانة الفعل من التعبير المباشر. السخرية في السياق الذي تضمنه السؤال كانت وسيلة لفضح تفاهة الموقف ولا معقوليته أصلاً. ولتحريض القراء على التفكير فيه بوصفه موقفا «غير طبيعي» من قبل الأعضاء الذكور حيال زميلاتهم من العضوات. ما كان لأعضاء المجلس أن يفرضوا موقفا تمييزيا ضد زميلاتهم وهم يعرفون حكم التاريخ على التنظيمات التمييزية، كما هو حال التنظيمات العنصرية ضد السود في جنوب الولايات المتحدة أو في جنوب إفريقيا، وكيف كان مآلها. لاحظ أن الموقف مستحق للسخرية لأقصى حد. فالنساء في المجلس كنّ عضوتين فقط. أي أنهما أقلية. وتنتميان لفئة اجتماعية، هي النساء، تحتاج لتمكين، أو تمييز إيجابي لا سلبي. ورغم ذلك مورس التمييز ضدهما بصفاقة، مما أجبر إحداهما على الاستقالة وبقيت الأخرى وحيدة تصارع بيئة لم تكن مرحبة. لاحظ شيئا غريباً هنا. قيل أن إصرار بعض الأعضاء على عزل العضوات عن طاولة الاجتماع كان بسبب غيرة زوجات هؤلاء الأعضاء. إن صح هذا فهو مصيبة. عضو المجلس البلدي تقدم بكامل حريته وإرادته لخدمة مدينته بكامل أعضائها من نساء ورجال ومواطنين ومقيمين وراشدين وقُصّر. إن كان لديه اعتبارات أسرية تتحفظ على مشاركة كاملة فكيف تدفع عضوات منتخبات ثمن هذه التحفظات؟ من لديه الاعتبارات هو من يجب أن يدفع ثمنها، لا الآخرون. دفع العضوات ثمن هذه التحفظات يؤكد مرة أخرى على القناعة القديمة: معاقبة النساء لأنهن الحلقة الأضعف. هذا ليس عدلاً. لم يكن لهذا الموقف أن يخرج إلا عبر السخرية.
•كشفت الهيئة الوطنية لمكافحة الفساد «نزاهة»، في السعودية، أن بعض الوزراء والمسؤولين لا ينفذون ما تطلبه الهيئة من تحقيق في المخالفات، وأوجه الفساد التي تحيلها إليهم. برأيك يا دكتور كيف يمكن للهيئة أن تمارس مهامها دون حرج؟
•• سيكون أمر هيئة الفساد مطاعا حين تكون لها أنياب نظامية تلزم الجهات بالتعاون معها. هذه الأنياب يمكن «زرعها» في فك الهيئة بربط طلباتها إما بجهة عدلية، كهيئة التحقيق والادعاء، أو جهة تمويلية، كوزارة المالية. تخيل لو أن ميزانية الجهة لا تقر إلا بشهادة تعاون من هيئة مكافحة الفساد.
البطالة النسائية
• قال وكيل وزارة العمل والاستثمار للبرامج الخاصة عبدالمنعم الشهري، إن لدى الوزارة العديد من البرامج والمبادرات لإيجاد آلية محكمة للتوسع في مجال عمل المرأة سيتم الإعلان عنها في حينه، وهي تأتي ضمن استراتيجية التوظيف الجديدة، وصولاً لتهيئة بيئة عمل مناسبة وجاذبة للراغبات في العمل، ومن أهمها العمل عن بُعد. ما رأيك في ما يقوله الشهري؟ وهل ستنجح الوزارة في تهيئة بيئة العمل عن بُعد؟
•• معدلات البطالة بين الإناث في مجتمعنا مقلقة. فبحسب البنك الدولي، البطالة النسائية في السعودية هي الأسوأ عالمياً. إن معدل بطالة الذكور لدينا عند 6% فيما هي لدى النساء بحدود 33%. إيجاد فرص عمل للإناث تحدٍّ كبير نواجهه. البيوت أصبحت ملأى بشابات يقتلهن الخواء. أكبر معوق لعمل المرأة لدينا هو توافر وسائل النقل. إن كان الراتب ضعيفا، خمسة آلاف ريال مثلا، و يذهب 40% منه للسائق فإن العمل لن يكون جذابا. لذا، أظن تهيئة فرص عمل للمرأة عن بعد فكرة ممتازة. التطبيقات تساعد على هذا. هذا ليس صعبا. لكن هل هو كاف؟ لا طبعا فالعمل عن بعد لن يقدر على استيعاب كل العاطلات. نحتاج إلى إقرار أنظمة ترفع مستوى الأمان للمرأة، مثل قانون التحرش أو قانون الإيذاء، مما يساعد في تقبل فكرة العمل في بيئة مختلطة. كما نحتاج إلى تغيير في المواقف والاتجاهات حيال عمل المرأة في البيئات المختلطة.
• تقول: «دخول المرأة لميدان النخب سيعطي شرعية ودفعة كبرى لوجود أكبر لها في ميادين اجتماعية مختلفة. «أي نُخب تقصد يا دكتور؟ وهل ترى أن المرأة حتى الآن حصلت على نصف ما هو مفترض لها؟ وهل يمكننا أن نتقدم كمجتمع في ظل ما تعانيه المرأة من هذا المجتمع؟
•• النخب بمختلف أصنافها وتفريعاتها. إذ لكل مجال نخبته. لكن أهم هذه المجالات هو المجال السياسي الذي من أهم تنظيماته النخبوية مجلسا الوزراء والشورى. لقد أدى دخول المرأة لمجلس الشوى لإضفاء شرعية كبرى على وجودها في بقية المجالات المجتمعية. والملاحظ أن ملف تمكين المرأة يتقدم بسرعة في المجتمع والدولة. التحولات إيجابية وتتوافق مع الضغوطات التي ولّدها واقع معقد. وأظن أن إبراز قصص النساء السعوديات الناجحات سيسهم كثيرا في تشريع أكبر لوجودها. لقد اطلعت على تغريدة تضع صورة العالمة السعودية البارزة «سلوى المطيري» مع اقتراح أن تكون صورتها وقصتها في مناهج القراءة للمرحلة الابتدائية. من هنا تبدأ معركة تغيير المواقف و الاتجاهات حيال المرأة ككائن وحيال شرعية حضورها.
•كتبتَ مغرداً: «ستختفي مفردة «سائق» من القاموس عندما تعم السيارة من دون سائق وسيستعاض عنها بـ «مرافق»: - مرافق هندي للتنازل. - مرافقون من الهند خلال ثلاثة أشهر». مرة أخرى تسخر؟ أنت عالم اجتماع أي مهمتك التحليل وتقديم الحلول.. ما هي الحلول لموضوع شائك كهذا؟
•• صحيح أن مهمتي هي التحليل. لكن السخرية حق تعبيري، كما أسلفت. أظن أن حالنا مع فكرة أن المرأة يجب أن تمنع من قيادة السيارة مما يستحق السخرية المرّة. نحن المجتمع الوحيد في الأرض الذي يمنع المرأة من القيادة بسبب جنسه. الذي أثار التغريدة هو عزم غوغل على طرح السيارة من دون سائق خلال أربع سنوات. تأملت، كيف سيكون تأثير منتج مثل هذا مع استدعائنا قضية مكانة المرأة في عموم المجتمع في مسألة قيادتها للسيارة، إذ أصبحت القضية رمزية جدا وأكبر بكثير من مجرد الجلوس خلف المقود أو في المقعد الخلفي؟ ساخراً من تأثير سيارة غوغل الموعودة على ترتيبنا للأمر تخيلت أننا سنبتدع وظيفة جديدة: «مرافق». وظيفة كهذه ستولد تعقيداتها من استقدام وتنازل وهروب وخلافه.
• أعدت تغريدة تحمل رأياً أو معلومة للدكتور مرزوق بن تنباك يقول: «لم يحدث في تاريخ المسلمين أنهم أغلقوا الأسواق وقت الصلاة».. هل أنت ضد إغلاق المحلات وقت الصلاة؟
•• الإلزام بإغلاق المحلات وقت الصلاة ولّد سلوكيات ومظاهر عجيبة. مثلا، التوتر الذي يصيب المتسوقين قبيل حلول وقت الصلاة، «لطع» الأسر على الأرصفة وممرات المولات، ترتيب جدول التسوق كاملا وفقا لمواعيد الإغلاق. تكرر الإغلاقات، خصوصا لصلاتي المغرب والعشاء، يُقطّع وقت التسوق. الزمن ليس متواصلا. لاحظ أن الإغلاق يستمر لأوقات طويلة تتعدى تأدية الصلاة ذاتها. الأدهى في الأمر كله أن هذا الترتيب ينزع الاعتراف بدافعية المرء الذاتية للصلاة. كأن الناس مجبرون على الصلاة و ليست اختيارهم امتثالاً لأمر ربهم. من المعروف بحمد الله تمسك المسلم بأداء هذا الركن من دون إلزام أو جبر خارجي.
خارج الدولة
• تغرد قائلاً: «خلق الله البشر ليكونوا أحرارا في السويد وما شابهها فقط. في أقطار أخرى، لا يستحق البشر إلا السوط. «لماذا السويد؟ من تقصد بهذه التغريدة؟
•• التغريدة كانت بوحي من الإحباط الذي أوجده فيّ الشيخ سلمان العودة سامحه الله. لقد غرد بما يفهم منه المطالبة بإرجاع سلطات الضبط والإيقاف والمطاردة لهيئة الأمر بالمعروف، رغم أن فهمي للشيخ سلمان أنه ضد التجاوزات التي كانت تتم والتي فشل الجهاز بإصلاحها مرة بعد أخرى. وبعدها بأسبوع تحدث لصحيفة سويدية عن أمر سلوكي حديثاً مؤسساً على منظور ليبرالي بالغ التسامح. هذا التناقض أحبطني بحق. هل معقول أن يكون منظور شخص ما أن البشر لا يستقيم سلوكهم في الرياض إلا بجهاز ضبطي طالما اشتكى ضحاياه من شراسته فيما أن نظراءهم في ستوكهولم أحرار في سلوكياتهم الخاصة وأن حسابهم على رب العالمين! إن كان ثمة من انحياز فليكن لأهلنا لا للرجل الأبيض.
• تقول: «هذه الدماء... هذه الأحقاد... هذا الجفول من الدخول في العصر والإصرار على العيش في الماضي.. هل لو لم يكن «الإسلام السياسي» كان الواقع سيختلف؟ تسأل ونحن نسألك كمحلل هل كان الواقع سيختلف؟ وهل الإسلام السياسي سبب الكارثة كلها؟
•• إجابتي هي نعم. لنأخذ حالة من حالات الإسلام السياسي ولنتصور كيف كان الوضع لو لم تكن. الثورة الإيرانية. فإيران منذ سقوط الشاه وهي بحكم رجال دين يحكمون من خلال صيغة شيعية للإسلام السياسي تتمثل في نظرية الولي الفقيه. كيف كانت ستكون المنطقة لو لم تكن هذه الحالة؟ العلاقة السعودية-الإيرانية خلال المائة سنة الأخيرة مثال ممتاز. كانت تتأرجح بين التوتر والتحالف. قطعت العلاقة بين السعودية وإيران مرة و احدة خلال الحكم الشاهنشاهي، سنة 1943، بسبب إعدام شخص إيراني. لكنها أعيدت ثم تبودلت زيارات ملكية وتحالف البلدان في حرب اليمن واختلفا على استقلال البحرين و الاعتراف بإسرائيل. لكن بعد الثورة تبخرت إمكانات التحالفات واستقرت العلاقات على ميزان الصراع. لم تعد إيران بعد الثورة طامعة بالبحرين فقط، كما في عهد الشاه. أصبحت ترى أن كل بلدان العالم الإسلامي مجال حيوي لها. أصبحت مهمومة بالتبشير برسالتها الأيديولوجية/الطائفية للشعوب الإسلامية. والتبشير من خلال ماذا؟ من خلال زرع ميليشيات تراكم السلاح خارج الدولة، كما هو الحال في «حزب الدعوة» العراقي و«حزب الله» في لبنان و«انصار الله» في اليمن و«حزب الله - الحجاز» في السعودية. هذا ليس تصرف الدولة/الوطنية. إنه تصرف جماعة تبشيرية. أيضا، تحول الثورة السورية من ثورة مدنية ضد الظلم إلى صراع طائفي ديني بين منظومات إسلام سياسي مثال موجع على قدرة خطاب الإسلام السياسي على إبطال نزوع التاريخ للتقدم والعودة بالأمة للوراء. سواء تعلق الأمر بجماعة لا عنفية، كالإخوان، أو إرهابية، كالقاعدة وداعش، أو دولة، كالثورة الإيرانية، كان الإسلام السياسي الأداة الأكثر نشاطاً وفعالية في ممانعتنا للولوج إلى العصر.