-A +A
قراءة: محمد الغامدي
تشكل العلاقات السعودية الكورية دورا إيجابيا في مختلف المجالات، ويمثل الجانب الاقتصادي محورها الرئيسي بين البلدين، إذ تحتل المملكة المركز الأول بالنسبة لكوريا في منطقة الشرق الأوسط، والسادسة كأكبر شريك على مستوى العالم، إذ بلغ حجم التبادل التجاري العام الماضي (2015) 29 مليار دولار. وتأتي زيارة رئيس الوزراء الكوري هوانغ كيو اهن لتؤكد تواصل البلدين في توسيع التعاون الثنائي في مجالات عدة، إذ شهدت توقيع مذكرتي تفاهم في المجالين السياسي والأمني (مكافحة الجريمة)، وبرنامج عمل لجذب الاستثمار، وبرنامجا تنفيذيا في مجال النقل البري.
ووفقا لرئيس مجلس الغرف التجارية الدكتور عبدالرحمن الزامل، تمثل هذه الزيارة أهمية كبرى كونها تأتي في مرحلة إعلان المملكة لخطط إستراتيجيتها نحو التحول التي ترتكز على تنمية وإصلاح النظام الاقتصادي والسير نحو خطوات التخصيص في ضوء الرؤية السعودية 2030، كون كوريا تملك سمعة ممتازة في القطاعات ذات التقنية العالية، كما أنها تعتبر الشريك الإستراتيجي في قطاع المقاولات خلال العقدين الماضيين، كونها الدولة الوحيدة التي وجهت شركاتها والعاملين من أبنائها إلى المشاركة في مشاريع البنية التحتية في المملكة، حتى إن العمالة الكورية تركت بصمة في ما قدمته، فيما تحولت كوريا وبكفاءة عالية بجانب المقاولات، إلى قطاع التقنية العالية في الغاز والكهرباء والبترول والمعادن، وكذلك في القطاع الصحي، وأبدت استعدادها لدعم المملكة بكفاءات متخصصة في الخدمات الطبية وتقنيات حديثة لرفع جودة الأداء في المستشفات، إضافة إلى ابتعاث السعوديين إلى كوريا للاستفادة من خبراتها، فضلا عن التعاون في مجال الإسكان، وسبق أن وقع البلدان مذكرة تفاهم للتعاون المشترك في هذا المجال.
ويؤكد رئيس لجنة الاقتصاد والطاقة في مجلس الشورى عبدالرحمن الراشد، أن كوريا تعد شريكاً إستراتيجياً، وهي من الدول التي ركزت عليها المملكة في السبعينات كمساهم في تنفيذ مشاريع البنية التحتية. ويصف الراشد قدرات كوريا بأنها قوة إدارية ومالية وتقنية وهندسية، وهي من الدول التي تتطلع إلى تعزيز استثماراتها في المملكة، مضيفا أن رؤية 2030 ستعزز التعاون الاقتصادي، وتفتح آفاق أوسع للتعاون بين البلدين.

علاقات مميزة
ويؤكد عضو مجلس الشورى رئيس لجنة الصداقة البرلمانية السعودية الكورية الدكتور سعدون السعدون أن البلدين تربطهما علاقات مميزة في جميع المجالات الاقتصادية والتجارية والثقافية والسياسية. لافتاً إلى أن الزيارات المتبادلة لكبار المسؤولين وأصحاب القرار في البلدين الصديقين من شأنها أن تعزز هذه العلاقة المتينة وتؤكد العزم على مواصلة التعاون وزيادة ميزان التبادل التجاري والاستثمارات المشتركة، وتوحيد الرؤى وتوافقها تجاه القضايا العالمية وأهمها قضايا الشرق الأوسط، والقضية الفلسطينية خصوصاً، وأحداث اليمن وسورية، وموقف المملكة الساعي لإقرار السلام في المنطقة ونصرة الشعوب المظلومة. وبرزت هذه العلاقة منذ الستينات في القرن الماضي، عندما قدمت الشركات الكورية إلى المملكة وبتسهيلات كبيرة من الحكومة السعودية واعتمادها ضمان الحكومة الكورية للشركات التي دخلت المنافسة الفنية عالميا، للمساهمة في تنفيذ البنية التحتية والتنمية العمرانية التي تشهدها المملكة. وكان لهذه الشركات دور كبير في تنمية اقتصاديات كوريا الجنوبية.
وخلال الخمسين سنة الماضية، وقع البلدان العديد من اتفاقات التعاون والمشاركة، وشهدت العلاقة بين الرياض وسيئول عددا من التحالفات التي تمت بين الشركات السعودية والكورية وأسهمت في تأسيس مشاريع مشتركة من أبرزها المشروع المشترك بين شركة أرامكو السعودية وشركة سانغ يونغ الكورية، الذي عرف بشركة «هان السعودية». ووقع البلدان مذكرة تفاهم بشأن التعاون في مجال الطاقة النووية السلمية، تضمنت دعوة الشركات الكورية للمشاركة في تشييد مفاعلين نوويين من طراز سمارت الذي يستخدم لأغراض سلمية عدة مثل إنتاج الكهرباء وتحلية المياه. ولم تقتصر الاتفاقات على المجال الاقتصادي، بل تعدت ذلك إلى مجالات ثقافية وصحية وتعليمية وتقنية. ومع الإعلان عن رؤية المملكة 2030، التي تركز على إعطاء القطاع الخاص الدور الفاعل في مسيرة التنمية، وجذب المستثمرين الأجانب لتأسيس الشركات في المملكة والمساهمة في التنمية المستدامة وبناء مجتمع قائم على المعرفة، تتواصل الزيارات المتبادلة لتتوافق مع هذه الرؤية الطموحة وتسير في ركاب الجهود الرامية لتحقيقها، عن طريق الاستفادة من الخبرات والتقنيات التي تمتلكها الشركات الكورية.

مقومات النجاح
وتؤكد المؤشرات على توافر مقومات نجاح هذه الشراكات، لما تتمتع به المملكة من ميزات اقتصادية جاذبة وموقع جغرافي مميز، وما تمتلكه من ثروات طبيعية وموارد بشربة شابة، إضافة إلى أن كلا البلدين ضمن العشرين دولة الأكبر اقتصادا في العالم، والمملكة رابع شريك اقتصادي لكوريا، إذ تطور حجم التبادل التجاري بين البلدين الصديقين خلال السنوات الماضية، ليتجاوز 176 مليون ريال، إضافة إلى أن كوريا لديها تجارب ناجحة في مجالات عدة من الرعاية الطبية، وخصوصا الصحة الإلكترونية ومجالي التعليم والتقنية، وإقامة التجمعات الصناعية بما فيها صناعة السيارات، وأودية التقنية والمعرفة، والمجالات الهندسية، والطاقة النووية. والهدف الأساس من هذه الشراكات هو نقل التقنية وتطويرها محلياً بدعم وتنمية الكفاءات الوطنية كأحد مرتكزات التحول الوطني، إضافة إلى الاعتماد على الشباب السعودي وتحويله إلى عامل منتج داعم لأهداف التنمية المستدامة.