في وقت أشار فيه محافظ مؤسسة التأمينات الاجتماعية سليمان القويز إلى أن الوضع المادي للمؤسسة في وضع جيد، أكد صعوبة رفع الحد الأدنى لمعاشات التقاعد، دون توفير مصادر مالية من خارج صندوق المعاشات، مشيرا إلى أن 63% من المعاشات الشهرية الحالية تصرف للتقاعد المبكر، ما يكلف الصندوق ضعف التقاعد غير المبكر، لافتا إلى أن اختصاصات المؤسسة لا تشمل التأمين الصحي على المتقاعدين.
وفي حواره مع «عكاظ»، اعتبر تسجيل الموظفين بأجور متدنية في التأمينات تحايلات على النظام، ما يسلب الموظفين حقوقهم في المعاشات والتعويضات، على رغم أن المؤسسة في وضع مالي جيد، وتحقق فوائض مالية شهرية متكررة، لافتا إلى أن أغلب دول العالم لا تعمل بنظام التقاعد المبكر، إذ أن الاشتراكات الشهرية وعوائد الاستثمار تفوق ما يصرف على معاشات التقاعد، الذي يقدر بأكثر من مليار ريال شهريا، موضحا في السياق ذاته أن نسبة الاشتراكات البالغة 18% تقارب النسب العالمية. وفيما يلي نص الحوار:
• كيف تنظر المؤسسة إلى توصيات مجلس الشورى بضرورة رفع الحد الأدنى لمعاش التقاعد؟
•• رفع الحد الأدنى للمعاش مطلب ضروري ومبرر، إذ أنه لا يفي بالاحتياجات الضرورية للعائلة، إذا ما نظرنا إلى تكلفة المعيشة، وقد سبق للمؤسسة أن أبدت هذا الرأي أكثر من مرة، إلا أنها في الوقت ذاته توضح أن تمويل المبالغ المترتبة على رفع الحد الأدنى للمعاش، يجب أن يتم من خارج صندوق المعاشات، لأن الأنظمة التقاعدية تتطلب وجود توازن بين دخل الاشتراكات المحصلة، وعوائد الاستثمار من جهة، ومع المنافع والتعويضات من جهة أخرى. ولاشك أن أي زيادة في صرف المنافع، مثل رفع الحد الأدنى دون وجود مصدر لتمويلها، سيكون لها تأثير سلبي على الصناديق.
• لوحظ تسجيل بعض المنشآت أجور موظفيها بأجور متدنية عن الأجور الحقيقية، ألا يعد هذا مخالفة للنظام؟
•• لا شك أن تصرف هذه المنشآت يعد تحايلا مخالفا لأحكام نظام التأمينات الاجتماعية، كما أنه يسلب حقوق هؤلاء الموظفين المستقبلية، كالمعاشات أو التعويضات، إذ يتم احتسابها بناء على الأجور المسجلة.
• زادت النقاشات من جانب مسؤولي صناديق التقاعد، وبعض أعضاء الشورى حول التقاعد المبكر، هل من سبيل إلى إيجاد حلول لمعالجة ذلك؟
•• يأتي هذا التركيز بناء على ما تظهره نتائج الدراسات المتكررة على مدى سنوات عدة، حول التأثير السلبي المالي لأحكام التقاعد المبكر على أنظمة التقاعد والتأمينات الاجتماعية، إذ أنه يشكل عبئا ماليا غير ممول على الصندوق، ولتوضيح الخلل يمكن أن ننظر إلى أن نسبة المبالغ المصروفة على معاشات التقاعد المبكر، إذ تتجاوز في الوقت الحالي 63% من إجمالي المعاشات الشهرية التي تصرف، والبالغة أكثر من مليار و400 مليون ريال شهريا، بينما لا يتجاوز المستفيدون من التقاعد المبكر ما نسبته 34.2% من إجمالي المتقاعدين، ما يعني أن ثلث المتقاعدين يستهلك ما يقارب ثلثي المعاشات المصروفة، وبمعنى آخر فإن المتقاعد المبكر يكلف الصندوق التقاعدي ضعف تكلفة المتقاعد غير المبكر. والمعروف أن التأمين الاجتماعي يقوم على مبدأ أساسي وسامٍ، يتمثل في حماية الشخص من الحاجة، عندما يصبح غير قادر على العمل بسبب الشيخوخة أو المرض، ناهيك عن حماية أفراد عائلته بعد وفاته. والتقاعد المبكر يخالف هذا المبدأ، باعتباره استثناء في هذه الأنظمة، إذ يمنح المعاش لمشترك ما يزال في سن القدرة على العمل. في وقت لا تعمل أغلب دول العالم بنظام التقاعد المبكر، كما أنها لا تطبق حسميات كبيرة على منافع طالب التقاعد المبكر، حتى لا يلجأ إليه سوى فئة قليلة، ممن يمرون بظروف استثنائية تدفعهم لطلبه. وتتجه معظم الأنظمة حول العالم إلى رفع سن التقاعد، كما أن الاشتراكات التي يتم تحصيلها خلال 25 سنة إضافة إلى عائد الاستثمار عليها، لا يمكن أن يغطي معاشات صاحب التقاعد المبكر ومن يعولهم من بعد وفاته.
• ولماذا طرحت المؤسسة موضوع التقاعد المبكر في هذا الوقت بالذات؟
•• الحقيقة أن الخلل المالي الناتج عن التقاعد المبكر، ليس بالأمر الجديد، والمؤسسة لم تنفرد بطرحه، بل أثير في عدد من المؤتمرات والاجتماعات الخاصة بأنظمة التقاعد في مجلس الشورى، وعلى مستوى دول الخليج العربي. وفيما يخص المؤسسة، تماشيا مع متطلبات الالتزام بالمادة 25 من نظام المؤسسة العامة للتأمينات الاجتماعية، الذي أوردته ضمن تقريرها السنوي المرفوع للمقام السامي لإيضاح ما تتعرض له صناديق التقاعد من أعباء مالية، مع استعداد المؤسسة للعمل على إيجاد الحلول المناسبة.
• ألا تعتقد أن الحديث عن عجز مالي في المؤسسة نوع من المبالغة في التخويف، فما هو الهدف من ذلك؟
•• لا مصلحة لأحد على الإطلاق من إخافة المجتمع، وعلى رغم أن الاشتراكات الشهرية وعوائد الاستثمار تفوق مبالغ التقاعد الشهرية، ما يشير إلى أن المؤسسة في وضع مالي نقدي جيد جدا في الوقت الحالي، بل يوجد فائض نقدي شهري واضح ومتكرر، إلا أن طبيعة عمل صناديق التقاعد تعتمد على النظر إلى المدى البعيد، الذي قد يمتد إلى ما يقارب نصف قرن، ما يستوجب أن تظل للمؤسسة القدرة المالية على الوفاء بكل المنافع التي التزمت بها، إذ أن المؤسسة تخطط لكيفية صرف معاش المشترك بعد نحو 30 عاما من اليوم، مع استمرار وجوب الدفع لما قد يزيد على 40 عاما بعد ذلك، ما يبرز الحاجة لإجراء دراسات اكتوارية، تبين ما إذا كانت المؤسسة قادرة (في ظل الظروف التمويلية الراهنة) على الوفاء بالمنافع المستقبلية من عدمه، وبالتالي فإن الحديث عن عجز اكتواري، لا يتعلق بهذه السنة فقط، بل يتعلق بعدة عقود قادمة.
• ذكرت أن أغلب دول العالم لا تطبق التقاعد المبكر، ولم تتطرق لنسب الاشتراكات العالمية التي تقل عما لدينا، كما لم تتعرض للحد الأدنى للمعاش والزيادة السنوية بما يتناسب مع تكلفة المعيشة؟
•• أتفق معك أن نسبة الاشتراكات البالغة 18% لدينا لا تعد نسبة متدنية، بل هي قريبة من النسب العالمية، لكنها متواضعة مقارنة بدول الخليج. أما بالنسبة للمنافع الإضافية، فكل شيء يجب أن يكون له تمويل مستقل، فمثلا تأمينات الكويت تزيد قيم المعاشات بشكل سنوي، لكنها تحصل مقابل ذلك على اشتراكات إضافية قدرها 6%، إضافة الـ 25% الموضحة أعلاه. أما المقارنة بالأنظمة العالمية، فتستوجب أن تكون شاملة، بحيث ننظر إلى كيفية الحفاظ على توازن الصناديق، ومواجهة التحديات التمويلية، إذ أن بعض هذه الصناديق لجأ إلى تقليص منافع ذوي الدخل المرتفع، وزيادة منافع ذوي الدخل المنخفض، وذلك عن طريق التخفيض التدريجي لنسبة المعاش كلما ارتفع الراتب، واستخدام الفرق للرفع التدريجي لنسبة المعاش كلما انخفض الراتب، والبعض الآخر وضع حدا أعلى متواضعا جدا للمعاش، فمثلا يبلغ الحد الأقصى لأجر الاشتراك في الولايات المتحدة نحو 37 ألف ريال، بينما يقل الحد الأقصى لمعاش التقاعد عن مبلغ 10 آلاف ريال، وذلك لمن عمل أكثر من 35 عاما، وتقاعد في السن النظامي للتقاعد. وفي ألمانيا، يبلغ الحد الأعلى للأجر الشهري للاشتراك 23500 ريال، بينما يقل الحد الأقصى لمعاش التقاعد عن 11600 ريال. على رغم أن تكلفة المعيشة في هذه الدول أعلى مقارنة بالمملكة. وهذا النظام معمول به في الدول الأوروبية والآسيوية المتقدمة، إذ يتم حساب معاش التقاعد على متوسط الأجر خلال كامل سنوات الخدمة، وليس خلال السنتين الأخيرتين، مثلما هو مطبق لدينا، ما يقلص أساس احتساب المعاش التقاعدي بشكل كبير، ناهيك عن وجود آليات أخرى تحد من تفرد أقلية من المتقاعدين، خصوصا ذوي الدخول المرتفعة، بمنافع تضيق ماليا على بقية المتقاعدين.
• إذن كيف ستحل المؤسسة إشكالية التقاعد المبكر؟
•• مؤسسات التقاعد ليست جهات تشريعية، ولا يحق لها تعديل الأنظمة التقاعدية، كونها جهات تنفيذية للأنظمة القائمة، إلا أني أرى أن دراسة أي تعديل للأنظمة يجب أن يشمل أولا دراسة مسببات وحجم العجز المستقبلي المتوقع تراكمه خلال العقود القادمة بالتفصيل، ومن ثم اقتراح التعديلات المناسبة للسيطرة عليه، وبالطبع يمر ذلك التعديل عبر الجهات التشريعية المعتادة، إذ يشكل لها لجان مناسبة لدراستها بشكل متأن، ومن ثم اقتراح التوصيات حولها. مع الوضع في الاعتبار أن أي تعديل يتم على المنافع والحقوق والاشتراكات، يجب أن يطبق بشكل تدريجي حسب العمر.
• وما تعليقكم على اتهام نظام التأمينات بأنه لا يساوي في الحقوق بين الرجل والمرأة؟
•• نظام التأمينات الاجتماعية لا يفرق بين حقوق المشتركين ذكوراً كانوا أم إناثاً، إذ راعى طبيعة المرأة، وظروفها الأسرية، فمنحها نوعاً من الحماية التأمينية تتميز بها عن الرجل في بعض الحقوق، إذ يحق للمشتركة أن تحصل على المعاش التقاعدي عند بلوغها سن 55 بدلاً من الـ60، إذا توافرت لديها مدة اشتراك لا تقل عن 120 شهراً. كما أن المستفيدة من معاش أفراد العائلة (الأرملة والبنت وبنت الابن والأخت) تصرف منحة زواج في حال زواجها، تعادل نصيبها الشهري 18 مرة، وفي حال طلاقها أو ترملها مرة أخرى، يعاد إدراجها للاستفادة من المعاش. كما يجوز للأرملة الجمع بين نصيبها من المعاش المستحق عن زوجها المشترك وأجرها من العمل مهما كان مقداره. ويحق للمشتركة أيضا تصفية مستحقاتها عند تركها العمل في أي وقت، إذا لم تتوافر لديها شروط استحقاق المعاش، وعند عودتها للعمل مرةً أخرى يجوز لها ضم خدماتها السابقة، شريطة إعادة المبلغ المصروف لها دفعة واحدة خلال سنة من عودتها للعمل، كما يحق للمرأة صرف راتبها التقاعدي كاملا عند بلوغ خدمتها المسجلة 480 شهرا.
السيطرة على التوظيف الوهمي
• وما هي جهود المؤسسة في الحد من التوظيف الوهمي؟ وما مدى تجاوب القطاع الخاص في هذا الأمر؟
•• تسعى المؤسسة جاهدة لتطبيق نظام التأمينات بشكل سليم، ويقع على عاتقها مسؤولية حفظ حقوق المشتركين، ومتابعة أصحاب العمل، والتأكد من التسجيل الفعلي لجميع العاملين لديها، من خلال المتابعة الدورية التي يقوم بها مجموعة من الموظفين المختصين في كافة مكاتب المؤسسة.
• وما ردكم حول المطالبات بتقديم تأمين صحي للمتقاعدين وعائلاتهم، أسوة بالدول المتقدمة؟
•• نظام التأمينات واضح ومحدد، ويشمل فروع التأمين الثلاثة المطبقة حاليا، ولا يشتمل على خدمات صحية خارج فرع الأخطار المهنية.
وفي الدول الأخرى توجد تغطية تأمينية للرعاية الصحية لكبار السن بما فيهم المتقاعدون، لكن غالبا ما تكون هذه الخدمة تحت مظلة جهاز متخصص خارج جهاز التقاعد، وبمصادر تمويل مختلفة، كأن يكون لها نسب اشتراك مستقلة، أو أن يتم تمويل الخدمات الأساسية من جانب الدولة. وبالطبع لا يمكن للمؤسسة تغطية ما لم يتم شموله في نظامها. وقد بحثت سابقا إمكانية ترتيب عروض مباشرة من شركات التأمين الصحي نيابة عن المتقاعدين وخاصة بهم، لكنها لم تحصل على تكلفة مشجعة.
• كيف يتم احتساب راتب الموظف التقاعدي، الذي يعمل لدى أكثر من صاحب عمل؟
•• أجاز نظام التأمينات الاجتماعية عمل المشترك لدى أكثر من صاحب عمل في آن واحد، ضمن ما يعرف بالازدواج التأميني، على أن يحسب له شهر اشتراك واحد بمجموع الأجور التي يتقاضاها من صاحبي العمل. ويحسب المعاش على أساس متوسط الأجور في السنتين الأخيرتين من مدة الاشتراك مضروباً في مدة الاشتراك المسجل بالأشهر، ومقسوماً على 480، والناتج يصبح هو الراتب التقاعدي المستحق.
• ما هي حقيقة خسائر استثمارات المؤسسة في الأسهم المحلية؟ ولماذا التركيز على العقارات حالياً؟
•• أسواق الأسهم بطبيعتها متذبذبة على المدى القصير، لكنها تبقى واعدة على المدى الطويل، فالانحدار الحاد والمستمر في أسعار الأسهم المحلية خلال العام الماضي وحتى الآن لا شك أنه مؤثر على القيمة الحالية للمحفظة، والحقيقة أن السوق السعودية لم تنفرد بالأداء السلبي بل طالت الخسائر غالبية الأسواق العالمية المتقدمة والناشئة، وشملت معظم الأصول من سندات وأسهم وموارد طبيعية، ومتابعو الأسواق المحلية والعالمية يعلمون أن عام 2015 كان عاما سيئا من الناحية الاستثمارية. وللعلم فإن المؤسسة لا تستثمر بهدف المضاربة، بل للاستفادة من النمو التدريجي عبر السنين، وهي بالفعل تحقق عوائد جيدة على محفظة الأسهم من توزيعات الأرباح. أما بالنسبة للعقارات، فإن المؤسسة لا تركز على الاستثمار في العقار كما يبدو، إذ أن المحفظة العقارية بالنسبة إلى إجمالي المحفظة لا تشكل نسبة كبيرة، غير أن طبيعة الاستثمارات العقارية ملموسة وواضحة للعيان، بعكس الاستثمارات الأخرى، ما يعطي انطباعا خاطئا بأن هناك تركيزا على المجال العقاري.